على ضوء التحولات العسكرية في الحرب المعلنة على التنظيمات الإرهابية، لا سيما في سوريا و​العراق​، يبدو أن المنطقة مقبلة على موجة واسعة من التبدّلات، في إطار البحث بالمرحلة التي ستلي التخلّص من تنظيم "داعش"، حيث يسعى مختلف اللاعبين الإقليميين والدوليين إلى حجز موقع لهم في هذه اللعبة، التي قد لا تكون مقدّمة نحو إنهاء الحرب القائمة، بل على العكس قد تفتح الباب أمام حروب أخرى تحت عناوين مختلفة.

على هذا الصعيد، تبرز أزمتان في الوقت الراهن، هما، إعلان رئاسة إقليم ​كردستان​ العراق تنظيم إستفتاء حول الإستقلال في 25 أيلول المقبل، والثانية الإصرار الأميركي على الإعتماد على قوات "سوريا الديمقراطية"، ذات الأغلبية الكردية، كقوات برية للتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وهو ما ظهر بشكل لافت قبل الإعلان عن إنطلاق معركة تحرير مدينة الرقة مؤخراً.

في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن ما تقدم يثير حساسية القوى الإقليمية البارزة على نحو بعيد، خصوصاً تركيا وإيران بالإضافة إلى سوريا والعراق، نظراً إلى أن التداعيات قد تنعكس عليها بشكل مباشر، وتوضح أن إستفتاء كردستان يستهدف الحكومة المركزية في بغداد، في حين أن الإصرار على توسيع رقعة المناطق التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" يُراد من خلاله الضغط على دمشق ضمن خيار المناطق الآمنة.

بالنسبة إلى تركيا وإيران، تلفت هذه المصادر إلى أن الجميع يدرك الخلافات بين أنقرة وأكراد تركيا، خصوصاً أن لدى أنقرة هاجس من أن يدفع تنامي نفوذ الأكراد في سوريا والعراق مواطنيها من الأكراد إلى المطالبة بالإستقلال أو الحكم الذاتي، وتؤكد أن الأمر نفسه ينطبق على طهران أيضاً التي تعاني من الواقع نفسه، وتشدّد على أن هذه الهواجس حقيقية ولا يمكن تجاهلها أو التعاطي معها بخفة بأي شكل من الأشكال.

إنطلاقاً من ذلك، يمكن فهم المعارضة التي تبديها كل من طهران وأنقرة لموضوع الإستفتاء ولقضية توسيع رقعة الأراضي التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية"، لكن الجانبان يدركان بأن الولايات المتحدة ليست بعيدة عما يحصل، خصوصاً أن واشنطن هي الداعم الأول للأكراد في التحركات التي يقومون بها في سوريا والعراق، وبالتالي هما يتعاملان مع الأزمتين من هذا المنطلق بالرغم من التطمينات التي تقدم إلى جانب التركي بشكل أساسي.

في هذا الإطار، يبدو أن المرحلة المقبلة ستسيطر عليها مواجهة من نوع آخر، بحسب ما تؤكد المصادر المتابعة، ستفتح أبوابها مباشرة بعد القضاء على "داعش"، على إعتبار أن الجميع يريد الإستفادة من الدور العسكري الذي قام به في هذه الحرب على مدى السنوات السابقة، وتشدد على أن أنقرة لن تتأخر بعد تحرير الرقة من المطالبة بانسحاب الأكراد منها، مع العلم أن بعض الأوساط بدأت تتحدث عن وجهة قوات "سوريا الديمقراطية" المقبلة ستكون مدينة دير الزور، في حين أن طهران تسعى إلى الإلتفاف على الانجازات التي تحققها الفصائل المدعومة من واشنطن في سوريا.

من جهة ثانية، لا يبدو أن بغداد ستكون وحيدة في مواجهة خيار الإستفتاء على إستقلال إقليم كردستان من جانب الأكراد، بل على العكس من ذلك يبدو أن هذه الخطوة ستدفع إيران وتركيا إلى التقارب لدعم الحكومة العراقية المركزية، خصوصاً أن هناك جهات دولية ترى أن الوقت غير مناسب لطرح فكرة الإستقلال، وتعتبر أن المطلوب الإستمرار في الحرب على الإرهاب كأولوية.

في المحصلة، الهزائم المتسارعة التي يتعرّض لها "داعش" في الميدانين السوري والعراقي ستفتح الباب واسعاً أمام الصراع حول خارطة الشرق الأوسط الجديدة، وعلى ما يبدو الأكراد سيكونون ركناً أساسياً في المرحلة المقبلة، إنطلاقاً من إستفتاء كردستان و"قوات سوريا الديمقراطية"، لكن هل تنجح القوى الإقليمية المعارضة في قلب الطاولة؟.