قد لا يكون طرح السؤال عن وجود ضماناتٍ بإجراء الانتخابات في أيار 2018 في موقعه الطبيعي اليوم، في ضوء "احتفال" السلطة بـ"الانتصار" الذي حقّقته بإقرار ​قانون الانتخاب​ الجديد، باعتباره "أفضل الممكن"، رغم كلّ الملاحظات والثغرات التي بدأت تتكشّف رويداً رويداً.

لكن، ولأنّ الاحتفالات بـ"الانتصار" وحّدت من جديد، في مفارقةٍ لافتةٍ، كلّ فروع السلطة المتناقضة في الشكل، ممّن كانوا يمنّون النفس بتمديدٍ طويلٍ للمجلس، وقد تحقّق، كما من كانوا يعارضون ​التمديد​، بل يجزمون بأنّ أيّ تمديدٍ تقنيّ لا يمكن أن يتخطّى الأشهر الأربعة في أسوأ الأحوال، فإنّ التشكيك بـ"النوايا" يفترض أن يكون الأمر البديهيّ، لا الاستثنائيّ...

فتّش عن البطاقة الممغنطة...

أصبح قانون الانتخاب أمراً واقعاً إذاً، وشكّل حُجّةً طبيعيّة استندت إليها وزارة الداخلية والبلديات لطلب تمديدٍ يمتدّ لسبعة أشهر، عارضه للوهلة الأولى "التيار الوطني الحر"، قبل أن يعود ويوافق عليه كرمى ربما لعيون "تيار المستقبل" الذي "سلّفه" الكثير، وذلك بعد اجتماعٍ جمع رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة ​سعد الحريري​، مع "تمديد للتمديد" لأحد عشر شهراً، تفاديًا لإجراء الانتخابات في فصل الشتاء.

ولأنّ القوى المروّجة لهذا التمديد تحت المسمّى "التقني" هي نفسها القوى التي سبق أن رفضت التمديد "الأصليّ"، رغم أنّ الفرق بين التمديدين لا يتعدّى الشهر الواحد، الذي استثناه "طبّاخو" المشروع لا لشيءٍ سوى لتزامنه مع شهر رمضان المبارك، كان لا بدّ من إيجاد "الذريعة" التي وجدها القيّمون على المشروع على ما يبدو في البطاقة الممغنطة، التي سارعوا للترويج لها بوصفها "الإصلاح الذهبي وغير المسبوق"، ولكن الذي يحتّم تأجيلاً أطول لوجستياً وعملياً وإدارياً.

وعلى الرغم من أنّ اعتماد البطاقات الممغنطة بدأ يتراجع عالميًا بعدما تبيّن أنّ سلبيّاتها تفوق إيجابيّاتها، قُدّمت الكثير من "الأطروحات" عن حسنات مثل هذه البطاقات، وعلى رأسها أنّها تسمح بتمكين من يشاء من الناخبين الاقتراع في مكان سكنه لمرشحي دائرته من دون الاضطرار إلى الذهاب إلى الدائرة المعنيّة، كما كان يحصل في السابق، وهو أمرٌ يمكن إيجاد "بدائل" كثيرة له بحسب الخبراء الانتخابيّين، من خلال وضع آلية محددة أقلّ إرباكاً من البطاقة الممغنطة تتيح إمكان تسجيل هؤلاء لأسمائهم مسبقاً، فيُصار إلى تخصيص مركزٍ لهم في مكان السكن للاقتراع، مع شطب اسمهم في مكان القيد أو وضع إشارة منع انتخاب بناءً على طلبه، تفاديًا لأيّ تصويت مزدوج.

أما القول بأنّ البطاقات الممغنطة يعزّز الشفافية، فيحتمل وجهة نظر أخرى بالنسبة للخبراء، الذين يلفتون إلى أنّ هذه البطاقات، فضلاً عن كونها تفتح مجالاً إضافياً للهدر، فهي أيضًا يمكن أن تفتح المجال أمام ضغوطاتٍ أخرى على الناخبين، وذلك مثلاً من خلال حجز البطاقات الانتخابية من قبل ​الماكينات الانتخابية​ كما كان يحصل سابقاً، من دون أن ننسى أنّ الأمر قد يحتاج الى ربط كافة مراكز الاقتراع الكترونياً، ما قد يؤدي لمشاكل تقنية يوم الاقتراع، وهو أمرٌ ليس بمستبعدٍ على الإطلاق في بلدٍ كلبنان.

وأبعد من كلّ هذه التقنيات والتفاصيل، يُطرَح سؤالٌ أساسي عن سبب الإصرار على هذه البطاقة الممغنطة، إذا لم تكن مجرّد ذريعة لإطالة مدّة التمديد، علمًا أنّه كان يمكن القفز فوقها لو أراد المعنيون فعلاً إجراء الانتخابات في أسرع وقت، مع الإشارة في هذا السياق إلى بدء التمهيد لإلغاء فكرة البطاقة الممغنطة عن بكرة أبيها، ولكن بعد أن تكون حقّقت الهدف المنشود منها إعلاميًا، وهو تبرير التمديد لا أكثر ولا أقلّ...

"الثالثة ثابتة"؟

هكذا، يبدو من الواضح أنّ البطاقة الممغنطة، وبمعزلٍ عن تقييمها إيجابًا أو سلبًا، أتت كـ"ذريعة متقنة" لتمرير التمديد الثالث للمجلس النيابي، بل هناك وجهة نظر تقول بأنّ القانون برمّته هو مجرّد تفصيل في إطار المشروع الحقيقي القاضي بالتمديد، خصوصًا بعد أن اصطدم المشروع الذي كان قد تقدّم به النائب نقولا فتوش بفيتوهات المزايدات التي تناوب عليها مختلف الأفرقاء، فكان المَخرَج بإقرار قانونٍ يبرّر التمديد بكلّ بساطة.

من هنا، تُطرح الكثير من علامات الاستفهام فعلياً وجديًا عمّن يضمن إجراء الانتخابات في أيار 2018 كما قيل، وبالتالي من يضمن أن تكون "الثالثة ثابتة"، ولا يعمد السياسيون على العكس من ذلك، إلى اختلاق ذرائع جديدة من الآن وحتى أيار 2018 لتأجيل الانتخابات أكثر. ولعلّ ما يعزّز هذا المنحى هو ما يُحكى عن ورشة سياسية ودستورية ستنطلق، وهو ما بدأ يتسرّب من خلال الحديث عن حوار وطني جديد سيدعو إليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وبدء بعض القوى تتحدّث عن تعديلاتٍ دستورية ستُطرَح للنقاش، بما فيها إعادة الحديث عن مجلس الشيوخ، وهو الأمر الذي يهدّد بنسف القانون من أصله.

ويُضاف إلى ذلك ما أثير في الساعات الماضية عن أنّ معركة القانون لم تنته عملياً بعد، مع إصرار بعض القوى على أنّ تحسين التمثيل سيبقى في صلب نقاشات المرحلة المقبلة، بعد إقرار القانون بصيغته المبدئية والأولية. وتأتي في هذا السياق التصريحات التي صدرت عن بعض السياسيين على هامش جلسة المجلس النيابي لجهة أنّ النقاش بقانون الانتخاب سيبقى مفتوحاً بعد إقراره، وأنّ هناك الكثير من التفاصيل التي سيُعاد النظر بها، خصوصًا في ظلّ الانتقادات التي تعرّض لها القانون، الذي وُصِف من قبل كثيرين بأنّه سُلِق سلقاً.

كلّ ذلك يوحي وكأنّ القانون، الذي أتى ثمرة مناورات ومفاوضات مستمرّة منذ ثماني سنوات، لم يقرّ سوى لتفادي الفراغ الذي كان الكثيرون يهوّلون منه، على أن يعود النقاش بتفاصيله بعد ضمان التمديد للمجلس النيابي، مع إدراك الجميع بأنّ هذه التفاصيل يمكن أن تعيد الأمور إلى المربع الأول، خصوصًا في ضوء ما يحكى عن دراساتٍ أثارت "الذعر" لدى بعض السياسيين من أن يأتي القانون على حسابهم، فضلاً عن كون أحد لا يستطيع أن يضمن من الآن ما الذي يمكن أن يحصل خلال سنة أمنياً وسياسياً واقتصادياً وعلى كافة المستويات.

هذا لبنان...

كثيرة هي الانتقادات التي توجّه لقانون الانتخاب الهجين باعتراف أصحابه، من طريقة تقسيمه للدوائر، إلى كيفية تشويهه للنسبية، وصولاً إلى تغييبه الإصلاحات، وكلّها عوامل تكرّس القناعة القديمة الجديدة بأنّ الطبقة السياسية لم تبحث سوى عن قانون تفصّله على قياسها، بمعزلٍ عن أيّ شيءٍ آخر.

إلا أنّ الخشية الأكبر تبقى أن يكون القانون مجرّد وسيلة لـ"تهريب التمديد"، لا أكثر ولا أقلّ، ولسان حال طبّاخيه: "من الآن وحتى يحين موعد الانتخابات، يخلق الله ما لا تعلمون"...