لا يمكن لمن يؤيد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أم يعارضه، الا ان يعترف بالحركة التي يقوم بها قائد الجيش السابق. صحيح ان الكثير من الامور لا تزال بحاجة الى العمل والجهد كي تتحقق، والكثير من الوعود التي لم تنضج ولم يلمسها المواطن لمس اليد، ولكن هناك عدد من النقاط التي تم وضعها على جدول الاعمال قد اينعت وقطفت ثمارها.

لا يجب لاي متابع او رجل منطقي ان يعزو أبوّة ​قانون الانتخاب​ الى فئة او حزب او شخص واحد، ولكن التاريخ سيذكر انه في عهد الرئيس عون دخلت النسبيّة الى لبنان بحسناتها وسيئاتها، علماً انه مهما بلغت مساوىء البنود التي يتضمنها القانون الانتخابي الاخير، تبقى اقل بكثير من القانون السابق الذي تعرّض لعمليات تجميل عمّقت قبح وجهه اكثر فأكثر.

أثبت عون ان العمر لم يحد من نشاطه وتحركه كما راهن البعض، فتمت التعيينات الامنية والعسكرية واقرت الموازنة وها هو قانون الانتخاب يبصر النور، وكل من هذه المحطات شهد صراعاً مريراً ولكنه وصل الى خواتيمه. واليوم، يعود قصر بعبدا مجدداً الى الساحة من باب ان المرجعية لم تعد في هذه المنطقة او تلك، او هذا المنزل او ذاك، بل في القصر الجمهوري، من خلال ما كشفته "النشرة" عن اجتماع سيعقد الخميس المقبل لرؤساء الاحزاب المشاركة في الحكومة.

تحدث الكثيرون قبل هذا الامر، عن طاولة حوار ستعقد برعاية رئيس الجمهورية للتطرق الى مشاكل البلد، ولكن يبدو ان الرئيس ادرك هشاشة هذه الحوارات وهو الذي شارك في الحوار الذي انعقد في بعبدا في عهد سلفه الرئيس ​ميشال سليمان​، حيث فشلت هذه الطاولة رغم ما اعتبره سليمان في حينه (ولا يزال) انه مولوده المدلل (اعلان بعبدا) وسوّقه أممياً ودولياً، ولكنه لم ينجح في ارسائه محلياً لاسباب عدة، فبقي حاملاً هوية دوليّة وناقصاً للهوية اللبنانية.

وبعد سقوط فكرة الحوار، ظهرت، عبر وسائل الاعلام ايضاً، فكرة دعوة الكتل النيابية، ولكن كان من الممكن ان تؤدي هذه الفكرة الى مواجهة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في وقت غير مناسب تماماً، ووسط اجواء يحرص رئيسا الجمهورية ومجلس النواب على جعلها أخف حدّة بمساعٍ من رئيس الحكومة سعد الحريري. فدعوة الكتل النيابية قد يعتبرها البعض تدخلاً في السلطة التشريعية وهو ما يعارض فصل السلطات. ولعل فكرة دعوة رؤساء الاحزاب المشاركة في الحكومة هي الانسب، لأنها دعوة منطقية كون رئيس الجمهورية جزء من مجلس الوزراء (يترأس جلساته ويحضر اجتماعاته ويضع جدول الاعمال بالاتفاق مع رئيس الحكومة...)، كما ان الخطط والمشاريع التي يحتاجها البلد تمر حكماً بمجلس الوزراء حتى ولو احتاجت لاحقا ًالى موافقة البرلمان. من هنا، تبرز اهمية مثل هذا اللقاء، اضافة الى أن من المفيد اسقاط حصول لقاءات ثنائية بين عون ورئيس كل حزب، لان من شأن ذلك ان يحرج الاثنين من جهة، وان يزرع عنصر الشك لدى الباقين حول ما يمكن ان يكون قد التزم به رئيس الحزب امام رئيس البلاد. وبالتالي، فإن اللقاء الذي يجمع الرئيس برؤساء الاحزاب في الحكومة دفعة واحدة قد يشكّل "طاولة حوار مصغرة"، والاهم انه سيصبّ في خانة التناغم السياسي بغياب المعارضة السياسية و"بروتوكول" تمثيل الطوائف والمذاهب الذي يفرض حضور اشخاص يتواجدون فقط للتوازن ومكانتهم الاجتماعية.

وغني عن القول ان الاختلاف كبير بين هذا اللقاء المرتقب في قصر بعبدا و"طاولة الحوار" السابقة، ولو ان الاثنين يوحيان بأن بعبدا هي الاساس. ففي العهد السابق، اجتمع الجميع في بعبدا دون ان يعتبروها مرجعية، لانها لم تتمكن من تحقيق اي شيء، وكان القصر الجمهوري فقط بمثابة "جائزة ترضية" للمسيحيين كي يشعروا أنهم غير مغيّبين على الساحة الرسمية. اما اليوم، فالامر مغاير، وكأن عون يقول ان المرجعية بالفعل تكمن في قصر بعبدا، وهو يتسلّح بما تحقق مما نادى به منذ تسلمه مسؤولياته الرئاسيّة. ومن المنصف القول ان الانسجام بينه ورئيس الحكومة، ساهم بشكل كبير في تعزيز هذه الفكرة والبناء عليها نحو المزيد من الافعال التي تصب في خانة العهد، ولو انه ليس الوكيل الحصري لانجازها.