بعكس كل ما يتم التداول به عن معركة مرتقبة في ​جرود عرسال​ لانهاء تواجد المجموعات الارهابية هناك وعلى رأسها تنظيم "داعش" و"​جبهة النصرة​"، وربط الكثيرين الزيارات الأخيرة لمسؤولين أميركيين وأمميين بالاستعدادات لتلك المعركة، الا ان قيادة ​المؤسسة العسكرية​ لا تبدو حقيقة مستعجلة اطلاقا لعملية مماثلة تُدرك انها رابحة لا شك ولكنها مكلفة على الأصعدة كافة.

ولعل المواجهات التي اندلعت أخيرا بين التنظيمين السابق ذكرهما وأدت الى مقتل وجرح العشرات من عناصرهما خلال محاولة "داعش" التقدم والسيطرة على مواقع لـ"النصرة"، جعلت القيادة تتمسك أكثر بخيارها بـ"الحسم عالبارد"، على حد تعبير مصدر عسكري رفيع، قال لـ"النشرة" ان "الوضع في منطقة الجرود ممسوك الى حد كبير بعدما تم حصار المسلحين من الجهتين اللبنانية والسوريّة، ما جعلهم يستنزفون ويسعون لتصفية بعضهم البعض للسيطرة على الموارد الضئيلة التي تصل الى أهالي المخيّم في منطقة الملاهي"، لافتا الى أن "الارهابيين في تلك المنطقة لم يعودوا كما السابق يشكلون خطرا على الداخل اللبناني فلا امكانية لديهم بعد الآن لتفخيخ السيارات أو حتى ارسال الانتحاريين، ما يجعل أي عمل عسكري حالي يهدف للقضاء عليهم مكلفا على الاصعدة كافة". وأضاف المصدر: "طالما نحن قادرون على التضييق عليهم حتى خنقهم على البارد فلماذا تكبيد البلاد تداعيات عملية عسكريّة قد تخلق توترات كبيرة وتداعيات ليست في الحسبان خاصة وأننا في كنف منطقة ملتهبة بالنزاع المذهبي".

ويبدو منطقيا تماما استبعاد قيادة الجيش الخيار العسكري في المرحلة الراهنة. فلبنان، وبحسب المصدر، "على أبواب موسم اصطياف كما أنّه بعد ذلك على موعد مع انتخابات نيابية لن يكون لأحد مصلحة بأن تحصل على صفيح ساخن، هذا ان أمكن اجراؤها في حال كانت الجبهة الشرقية مشتعلة". ولا يرى المصدر ان العناصر التي دفعت لتأجيل خيار الحسم العسكري طوال السنوات الماضية تبدلت أو تبددت، لافتا الى انّه "وبالعكس تماما، باعتبار اننا كنا أقرب الى هكذا خيار في المرحلة الماضية حين كانت الظروف ضاغطة أمنيا. أما اليوم وفي ظل الوساطات المستمرة لاخراج المسلحين (وساطات لا دخل للجيش بها)، من المنطقة كما لاعادة النازحين الموجودين في عرسال والجرود الى بلداتهم السورية، فالحسم العسكري مستبعد تماما في ظل عدم توافر قرار سياسي لعملية مماثلة".

ولا يعني استبعاد هذا الخيار في الوقت الراهن عدم استكمال العمليات العسكرية شبه اليومية التي تقوم بها وحدات الجيش المنتشرة على الحدود، والتي لا تتوانى عن قصف تجمعات وتحركات المسلحين الارهابيين وقياداتهم ما يندرج باطار "الحسم عالبارد". وتُدرك قيادة الجيش ان اسقاط أهالي عرسال الغطاء عن هؤلاء الأعداء الذين قرروا اللجوء الى كنف الجماعات الارهابية، عامل أساسي لكسب المعركة، وهم يعوّلون عليهم تماما في أي احتكاك مقبل ويُدركون أنّهم سيكونون (أهالي عرسال) كما دائما في صفّ المؤسسة العسكرية بعدما ذاقوا ما ذاقوه من ارهاب هذه الجماعات.

بالمحصّلة، وان كان هناك حقيقة من يضغط أو يروّج سواء من الداخل اللبناني أو من الجهة السوريّة لحسم ملف الجرود قربيا وبالقوّة، فان المسألة لا تبدو وشيكة الا اذا كانت خطة من يدفع بالملف الى الواجهة تقضي باشعال شرارة ما قد لا يُطفئها الا الحسم العسكري.