نهاية سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي على كل من المُوصل في ​العراق​ والرقة في سوريا صارت مسألة وقت فقط لا غير، الأمر الذي يعني أنّ آلاف المُسلّحين الذين توهّموا في مرحلة من المراحل أنّ "دولة الخلافة" المزعومة آخذة في التوسّع، سيفرّون إلى أي وجهة يُمكنهم الوُصول إليها. فهل من إحتمال جدّي بأنّ يلجأ عدد من إرهابيّي "داعش" إلى لبنان؟.

لا شكّ أنّ "السيناريوهات" أمام تنظيم "داعش" الإرهابي آخذت بالإنحسار أكثر فأكثر، نتيجة التقلّص المُضطرد للأراضي التي يُسيطر عليها، وبفعل سُقوط مُقاتليه المُتواصل وبالجملة بين قتيل وجريح وأسير، إضافة إلى تقلّص التمويل الذي كان يلقاه مُقارنة بالمبالغ التي كانت تصله في السابق، حيث أنّ نهايته كتنظيم سياسي وعسكري له تواجد جغرافي واسع، وبنيّة مؤسّساتية تقدّم خدمات "دولة" أو على الأقلّ "ميليشيا مُنظّمة"، باتت على مرمى حجر.

وبحسب أكثر من خبير غربي، فإنّ مصير "داعش" سيكون مُشابهًا إلى حدّ بعيد بمصير تنظيم "القاعدة" بعد ضرب معاقله في أفغانستان، أي أنّه سيتحوّل من تنظيم يملك قواعد عسكريّة علنيّة يُدرب فيها المُقاتلين ويُرسلهم في مهمّات حول العالم، إلى مجرّد خلايا إرهابيّة صغيرة ومُتفرّقة تُنفّذ بين الحين والآخر ضربات غادرة ضُدّ أهداف مدنيّة في الأغلب. لكنّ "داعش" يتميّز عن "القاعدة" بأنّه أكبر حجمًا وأوسع إنتشارًا، ويستفيد من مُؤيّدين له في أكثر من بلد، الأمر الذي من شأنه أن يُؤدّي إلى إطالة الفترة الزمنيّة المطلوبة لسحق كل قواعده الميدانيّة المُنتشرة حاليًا في كل من سوريا والعراق بشكل خاص، وفي كل من ليبيا واليمن أيضًا، مع الإشارة إلى أنّ "داعش" يُقيم علاقات تنسيق مع العديد من التنظيمات الإرهابيّة، بعضها بايعه وصار جزءًا منه، على غرار جماعة "أنصار بيت المقدس" في محافظة "سيناء" المصريّة، وجماعة "بوكو حرام" في نيجيريا، على سبيل المثال لا الحصر.

والخطير في الأمر أنّ تنظيم "داعش" سيستفيد بعد نهايته الميدانيّة المُنتظرة في الأسابيع والأشهر القليلة المُقبلة، من إنتشار لخلاياه الصغيرة والشديدة الخطورة في عدد كبير من دول العالم، حيث أنّه يكفي أن يتمكّن مُقاتل واحد أو بضعة مُقاتلين منه من العودة إلى البلد الأصلي الذي جاؤوا منه، أكان عربيًا أم غربيًا، من دون أن يُكشف أمرهم، حتى يُصبح كل واحد من هؤلاء نواة مشروع "خليّة إرهابيّة" أو أكثر، مع ما يعنيه هذا الأمر من مخاطر شبيهة بقنبلة موقوتة لا يعلم أحد موعد إنفجارها.

وبالنسبة إلى لبنان، فإنّه ليس بمنأى عن "خلايا داعش الإرهابيّة" المُنتظر تكاثرها في مختلف أنحاء المنطقة والعالم، بالتزامن مع تصاعد هزائم "التنظيم" في العراق وسوريا. وليس سرًا أنّ إحتمالات تسلّل بعض "العناصر" الداعشيّة الفكر والهوى مُمكنة، إن عبر معابر تهريب غير شرعيّة حدوديّة، على الرغم من نجاح ​الجيش اللبناني​ في ضبط العدد الأكبر منها في الأشهر الماضية، أو عبر الدُخول تحت ستار "السياحة العربيّة والخليجيّة" في حال كان هؤلاء غير مُدرجين في لوائح المطلوبين من قبل السُلطات الأمنيّة اللبنانيّة. ولا ننسى أنّ بعض اللبنانيّين، خاصة من مناطق في الشمال، قاتلوا إلى جانب تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، ومن سيبقى حيّا منهم يُحتمل أن يُحاول العودة إلى لبنان بأي وسيلة مُمكنة، علمًا أنّ أغلبيّة هؤلاء معروفون من قبل أجهزة الإستخبارات اللبنانيّة التي تقوم بتقصّي المعلومات بشأن عودتهم بشكل دَوري.

وفي الخلاصة، الأكيد أنّ الكثير من عناصر "داعش" سيُحاولون الفرار من مصير الموت المُحتّم في سوريا والعراق إلى مُطلق أي مكان سيتمكّنون من الوصول إليه، وعلى الرغم من أنّ فرار عدد كبير منهم إلى لبنان غير مُمكن، فإنّ تسلّل بعض العناصر الإرهابيّة المُتفرّقة مُحتمل. وإذا كان صحيحًا أنّ هؤلاء لن يكونوا قادرين على تشكيل أي خطر مُنظّم وكبير على مساحة الوطن، فإنّ الأصحّ أنّهم سيُشكّلون"خلايا صغيرة" قادرة على تنفيذ هجمات إرهابيّة شبه فرديّة ومحدودة في الزمان والمكان. وبالتالي، إنّ من شأن نجاح أيّ عمليّة إرهابيّة لهؤلاء أن يتسبّب بسقوط ضحايا وبإيقاع خسائر مادية، وخُصوصًا معنويّة، الأمر الذي يستدعي تصعيد الحملات الإستباقيّة ضُدّ كل الأماكن المشبوهة في لبنان، ويستوجب زيادة العمل الإستخباري الذي يقوم به أكثر من جهاز أمني رسمي لكشف هؤلاء في بيئاتهم الحاضنة وإستباق أي ضربة إرهابيّة من قبلهم.