فاجأ الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ الجميع بتغييراته السريعة لمواقفه السياسية والتي أثّرت وستؤثر حتماً على المسار الطبيعي للامور في اكثر من دولة ومنطقة وبالاخص في الشرق الاوسط.

وبما ان لبنان بلد "مهم" في المنطقة، فمن المنطقي ان تلحق به هذه التأثيرات وقد بدأت ملامحها عن طريق التلميح بعقوبات مالية (استنفر القطاع المصرفي وحاكم مصرف لبنان وعدد من النواب للتخفيف من حدتها)، فيما بدأ الكلام عن امكان تخفيض المساعدات للجيش اللبناني. وبعيداً عن الشق المالي وتعقيداته، نتوقف عند ما يحكى عن المساعدات للجيش، مع تأكيدات تصل الى حد الجزم الحاسم بأنها لن تتأثر وان ما يحكى ليس سوى تهويل، او تنبيه الى ان واشنطن قد ترغب في وقت لاحق ان تطلب مقابل هذه المساعدات، بعض المطالب السياسية.

ووفق ما تقوله مصادر مطلعة، فإن ​الجيش اللبناني​ قد يكون الصامد الوحيد امام تقلبات وتغييرات مواقف الرئيس الاميركي، وذلك بإجماع كل من يحيط بترامب من مستشارين ومسؤولين عسكريين ومدنيين، فهؤلاء يستندون الى التاريخ والحاضر للتشديد على ان الرهان على الجيش كان رابحاً كل مرة، وكانت المؤسسة العسكرية اللبنانية بالفعل لا بالقول، الوحيدة التي يلتقي على دعمها اللبنانيون جميعاً، وبالتالي العنصر المشترك الذي يجمع في ظل التشتت السياسي والاجتماعي...

اما على الصعيد الميداني، تضيف المصادر، فلم يجد الضباط الاميركيون والدوليون اي احراج في الاعتراف بقدرات الجيش خلال المواجهات التي خاضها مع الارهابيين، والعمليات التي نفذها بدقة عالية، واجمعوا على ان المساعدات التقنية واللوجستية التي يتلقاها تساعد بشكل كبير على رفع منسوب الدقة والفاعلية في تصدي الجيش لخطر الارهاب. وتتابع المصادر ان المحيطين بترامب نبّهوا الى ان اي تلكؤ او تراجع في المساعدات، من شأنه ان يؤثر سلباً على وضع الجيش في مواجهته للارهابيين من جهة، وسيضع الموقف السياسي الاميركي في موقع حرج، لان الدول الاخرى لن تقف مكتوفة الايدي، وستسارع الى التعويض عن "التقصير" الاميركي قدر الامكان، فيما قد يتعاظم دور "حزب الله" بعد ان تراجع (حدودياً وعلنياً) لصالح الجيش.

من هنا، تشير المصادر، الى ان ترامب بات يراجع حساباته مرتين قبل الاقدام على اي خطوة قد تؤثر على الجيش اللبناني، مع العلم ان ما يقدّم من مساعدات الى الجيش هو اقل من العادي ودون ما يتم تقديمه الى جيوش اخرى لم تنجح في اثبات نفسها وفاعليتها. اما في ما خص امكان اقتران المساعدات بشروط ومطالب، فاكتفت المصادر نفسها بوضعها في خانة التهويل فقط، لان الاميركيين يعلمون جيداً ان الجيش اللبناني يتحرك بأوامر السلطة التنفيذية، وبالتالي فإنه غير معني بأي مطالب، فيما الوضع السياسي في البلد فريد ومغاير تماماً لاي اوضاع سياسية تشهدها اي دولة في المنطقة، لان القرارات يجب ان تؤخذ بالتعاون بين الجميع، ولعل قانون الانتخابات والفراغ الرئاسي خير دليل على ما يمكن ان تصل اليه الامور على الساحة.

ويمكن القول ان اميركا، كما غيرها من الدول، معنية تماماً بالاستقرار الامني في لبنان، ولا يمكن ان تقوم بأي عمل من شأنه ان يعكّره او يهدده، لان نتائجه لن تصب في مصلحة السياسة الاميركية او الدولية التي تُرسم بالنسبة الى الشرق الاوسط، كما انه لا يمكن بعد اليوم لواشنطن ان تتفرد بتقرير مصير المنطقة بعد الدخول الروسي المباشر على الخط والتواجد الميداني في سوريا، والتعقيدات التي ترتّبت عن الدور الاقليمي الذي بات يضطلع به حزب الله اثر دخوله على خط الحرب السورية.

تعقيدات كثيرة تواجهها المنطقة، ولكن الثابت فيها ان الجيش اللبناني لم يتغيّر او يتراجع، وقد يصح اعتباره، وفق العقلية التجارية لترامب، "استثماراً" ناجحاً على المديين القصير والبعيد.