منذ الإعلان عن الدخول الروسي المباشر على خط الحرب السورية، بالتزامن مع تشكيل ​الولايات المتحدة​ التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، برز بين القوتين العظميين ما يعرف بـ"الخط الساخن"، الذي لا يزال حتى اليوم مرافقا لأي تصعيد في العلاقة بين الجانبين على خلفية الخلافات حول هذه الأزمة.

بات من المعروف أن "الخط الساخن" هو عبارة عن خط هاتفي يربط بين ضباط أميركيين، يشرفون على الحرب من مركز عمليات في قاعدة العديد في قطر، وضباط روس يتمركزون في قاعدة حميميم في سوريا، بهدف الحفاظ على سلامة حركة الطيران الحربي والقوات المتواجدة على الأرض، نظراً إلى أن الجانبين يحرصان على عدم الوصول إلى مرحلة الصدام المباشر بينهما.

في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، الى أن هذا الخط إستخدم من جانب موسكو كورقة ضغط في مناسبات عدة، لا سيما أن واشنطن تعتبر أن لها مصلحة بالحفاظ عليه مهما بلغ التصعيد مداه، وتوضح أنه يمكن رصد أكثر من حالة تم الإعلان بعدها عن وقف العمل به، أبرزها بعد الضربة التي نفذتها واشنطن على مطار الشعيرات بـ59 صاروخ توماهوك في شهر نيسان الماضي، وفي الأيام الماضية احتجاجاً على اسقاط الجيش الأميركي مقاتلة سورية، نظراً إلى الأهمية التي يشكلها على المستوى العسكري.

وتلفت هذه المصادر إلى أن الإحتجاج الروسي المتكرر على خطوات أميركية، عبر الذهاب إلى إغلاق هذا الخط، يعود إلى قناعة موسكو بأن واشنطن لا تريد التنسيق بين الجانبين في الحرب على الإرهاب، في حين هي لم تتردد في الدعوة إلى هذا الأمر مراراً، وتوضح أن الجانب الروسي لديه قناعة بأن الولايات المتحدة لا تضع الحرب على الإرهاب على رأس قائمة أولوياتها، بل على العكس من ذلك هي تسعى إلى الإستفادة من المجموعات المتشددة لتحقيق مصالحها.

من وجهة نظر هذه المصادر، على الرغم من التنسيق الدائم بين الجانبين هناك حقائق تؤكد بأن الصراع بينهما سوف يتصاعد في المرحلة المقبلة على "وراثة" الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" الإرهابي، نظراً إلى أن واشنطن تعتبر أن الإقتراب من المناطق التي تضعها ضمن دائرة نفوذها خطًّا أحمر، بينما يصر التحالف المقابل، الذي يضم كل من ​روسيا​ وإيران وسوريا، على الإستمرار في عملياته العسكرية لإجهاض المخططات الأميركية المستقبلية، خصوصاً بالنسبة إلى المرحلة التي تلي القضاء على التنظيم الإرهابي.

قبل أيّام قليلة، جرى الحديث عن إجتماعات بين الجانبين الروسي والأميركي للتنسيق بينهما حول العمليات العسكرية في الشرق والجنوب السوري في العاصمة الأردنية عمان، لكن ما حصل بعد إسقاط الطائرة السورية من جانب الولايات المتحدة أعاد الأمور إلى الوراء، لا سيما بعد إغلاق "الخط الساخن"، نظراً إلى أن هذه الخطوة تعتبر تصعيداً من جانب موسكو هدفها دفع واشنطن للتراجع والإلتزام بقواعد محددة.

على هذا الصعيد، يمكن رصد حرص واشنطن على إعادة العمل بهذا الخط من خلال إعلان رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي الجنرال جو دانفورد أن بلاده تسعى، على المستويين الدبلوماسي والعسكري، الى إعادة العمل به خلال الساعات المقبلة، بعد أن كانت موسكو حذرت من أن أنظمتها للدفاع الجوي ستبدأ برصد جميع طائرات التحالف في وسط سوريا ما دفع البنتاغون إلى اعادة تموضع بعض طائراته.

إنطلاقاً من ذلك، تعتبر المصادر المتابعة أن هذا الخط بات من المؤشّرات البارزة على واقع العلاقة بين الجانبين، فهو سيغلق، كما هو الحال في الوقت الراهن، عندما يقوم أي فريق منهما بتجاوز الخطوط الحمراء من وجهة نظر الفريق الآخر، لكنها ترجع إعادة العمل به في وقت قريب بعد معالجة الأزمة الأخيرة لأن وجوده مصلحة مشتركة، في حين أن غيابه يشكل خطراً على حركة الطيران العسكري فوق الأراضي السورية.

في المحصلة، يعيد الخط الساخن في سوريا إلى الأذهان ذلك الذي كان قائماً بين موسكو وواشنطن أيام الأزمة الكوبية، لكن هل سينجح في ظل إرتفاع مستوى التصعيد بين المحورين المتقابلين في منع الصدام المباشر بينهما؟.