هدأت العاصفة التي اثارتها السعودية والامارات و​البحرين​ ومصر وبعض الدول ضد قطر، ولكنها لم تنته بعد. الهدوء فرضته التسوية التي اجرتها الدوحة مع ​الولايات المتحدة​ اولاً، والموقف غير الموحد لدول مجلس التعاون ​الخليج​ي ثانياً (الكويت وسلطنة عمان)، والقنوات التي عززتها قطر مع ايران وتركيا والمغرب ثالثاً. ولكن في ظل هذه التطورات، هناك سبب واضح لم يتم التركيز عليه كثيراً ويتعلق بالصراع على النفوذ السنّي في المنطقة عموماً والذي عادت تركيا لطرق ابوابه.

لم يكن توقيت التغييرات الملكية التي اجريت في السعودية بريئة، تماماً كما ان التحرك التركي و"ادخال" نفسه في تحركات وجهود التسوية لم يكن بريئاً. التوقيتان يخفيان في الواقع، عودة الصراع الى النفوذ السنّي في المنطقة، وما يعززه بالفعل هو الموقف الاميركي الضبابي الذي يشجّع كل طرف منهما (وربما في وقت لاحق بعض الاطراف الاخرى) على اعتبار نفسه الاوفر حظاً لتسلّم المرجعية السنّية في المنطقة، خصوصاً في المرحلة الجديدة التي تتحضر للاعلان عنها رسمياً في الفترة المقبلة.

الضبابية الاميركية زادت بعد التصريحات الاخيرة للمسؤولين الاميركيين والتي لم تستوعبها الرياض وابو ظبي، اذ وجدتا نفسيهما مطالبتين بتوضيحات حول محاصرتهما لقطر، فيما تحولت الدوحة الى "ضحية" بعد ان ارسل اميرها رسالة تهنئة الى ولي العهد السعودي الجديد محمد بن سلمان بن عبد العزيز.

المفارقة تكمن في ان هذه الرسالة، معطوفة على الموقف الاميركي الاخير، تشكلان مؤشراً واضحاً الى ان ما قاله المغرد السعودي الشهير "مجتهد" حول قرب تخلي العاهل السعودي الحالي عن العرش ليس كلاماً في الهواء. وقد تشكل هذه الواقعة اذا ما حصلت قريباً، مخرجاً لائقاً للازمة الخليجية، وتعيد لمّ الشمل بعد ان تقوم قطر ببعض "التنازلات" العلنية على غرار رسالة التهنئة الاخيرة.

هذا الامر يصب في مصلحة الخليجيين الذين سينعمون باستقرار سياسي لفترة غير قصيرة، وسيقطعون الطريق على تركيا لتعزيز نفوذها السنّي، فيما تبقي السعودية على هذا النفوذ في ملعبها دون التفريط به. ومن البديهي ان يكون وصول ملك سعودي شاب الى العرش، بداية تغيير في المقاربة الخارجية للمنطقة عموماً وللخليج بشكل خاص، في ظل سعي الى تناغم اكبر مع القطريين من جهة، والاميركيين بطبيعة الحال من جهة ثانية.

وفي ظل هذا الوضع الجديد الذي سيطرأ، قد يخفّ وهج المواجهة السنّية- الشيعية دون ان يختفي او يزول طبعاً، انما سيبقى ضمن ضوابط الحاجة الدولية الى تخفيف النار تحته او تقويتها عند الحاجة، مع الاخذ بالاعتبار المعطيات الجديدة للدور الايراني والتعاون الذي يرسيه مع روسيا وتركيا وغيرهما من الدول في المنطقة، اضافة الى القدرة الباقية في التأثير على المواطنين الشيعة في الدول الخليجية، والتعاون الوثيق مع حزب الله في لبنان وسوريا على حد سواء.

وبالتالي، فإنه لن يكون من الغريب القول ان ميزان الصراع السنّي لم يكون متساوياً بل سينحو نحو السعودية، فيما ميزان الصراع السنّي-الايراني سيعود الى التساوي مجددا، ولن تتفاقم الهوة بين المذهبين الاسلاميين، وربما قد يؤدي التيار الانفتاحي في ايران الى سكب بعض الصلح على الحرارة مع السعودية، علماً ان انهاء هذا الصراع لا يصب سياسياً في مصلحة الدول الكبرى، ولا الانظمة الحاكمة في الخليج وحتى الحكم في ايران.

فهل نتجه نحو فترة "راحة" من الصراعات في المنطقة؟. من المبكر الاجابة على هذا السؤال، ولكن اي تغيير في الحكم في السعودية قد يسرّع الخطى نحو هذه الفكرة، اللهم ما لم يحتج الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى المزيد من الاموال في المدى المنظور، فيخلق مشكلة جديدة تعود عليه بالمنفعة المادية.