بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى اله الاطيبين الاطهرين واللعن الدائم على اعدائهم اجمعين.

لقد ورد عن امير المؤمنين الأوحد علي عليه السلام في نهج البلاغة الشريف انه قال: "إنّ الفرصَ تمرُّ مرَّ السحاب فاغتنموا الفرص في الخير". من هنا لا بد لكل عاقل ان يستفيد من اي فرصة تسنح له ليكسب منها ما يحتاجه من قدرات لتستمر حياته استمرارا طيبا، وشهر رمضان المبارك لهو افضل فرصة على مدار السنة ليستفيد منها المؤمن بعض المقامات الروحية التي تؤهله لأن يكون عبدا لله سبحانه وتعالى متمحضا في العبودية له جلّ وعلا دون غيره.

فشهر رمضان يشكّل خزانا كبيرا من المعارف الإلهية بحيث لو اغترف المسلمون كلهم من هذا الشهر الكريم ما يحتاجون من المعارف فلن تنضب، ومن اعظم هذه المعارف ان يكون الانسان حراً لا تأخذه في الله لومةُ لائم، وهذا من أظهر واجلى معاني العبودية لله سبحانه وتعالى لأن الصوم يجعل من الإنسان شخصية مجردة عن حب الذات ويُدرِّجهُ في معاني نكران الذات فيصفو من كل شوائب الحياة ليرتقي فيكون داعية الى الله الواحد الأحد فيساهم في تحقيق الخلافة الإلهية على الارض تحقيقا لغاية وجود الإنسان، وبهذه الصفة يودِّع المؤمن شهر رمضان المبارك ليستقبل عيدا منحه الله سبحانه وتعالى جائزة للمستفيدين من شهر الصيام بجهادهم الخاص والعام -أي الصوم وإظهار المواقف الواضحة التي لا نفاق فيها– فيستأهل المؤمن بهذا ان يجدِّد البيعة لله سبحانه وتعالى يوم العيد، وهذا من اجلى المعاني التي نفهمها من كلام امير المؤمنين الأوحد علي بن ابي طالب عليه السلام (ليس العيدُ لمن لبِس الجديد وإنّما العيدُ لمن خاف الوعيد) فالوعيد لا يُتّقى فقط باداء الطقوس المعهودة في الاسلام من صلاة وصوم كيف وقد ورد عن حضرة الامام جعفر الصادق عليه السلام: "لا يغرّنك كثرة ركوع الرجل وسجوده لعلها عادة اعتاد عليها اذا تركها استوحش"، فاتِّقاء الوعيد انما يكون بمواجهة الانحراف العقائدي والمسلكي، وألاّ نتأثر بالاضاليل والاكاذيب التي يحاول اعداء الايمان ان يطفئوا نور الايمان الساطع الآتي من طريق الغدير، بأن يكون سعينا دوما الى رضا الله لا رضا الناس على ان نخلع ثوب التبعية الا للحق كيلا نتحول الى دعاة للباطل عن قصد او غير قصد.

هذا ما وقع فيه الكثيرون من هذه الأمة "قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) ( سورة الكهف).

ومن هنا نلفت الانتباه الى ان العيد ليس مفهوما احتفاليا بقدر ما هو مفهوم عبادي يتقرب فيه المؤمن الى الله تعالى، ولذا تُوِّجت اعمال العيد بزيارة سيد الشهداء أبي عبدالله الحسين عليه السلام، ليبقى المرء توّاقا الى معنى الحرية التي هي من اجمل وارقى المعاني في الوجود البشري، فيكون المرء قد عاش حالة التكامل بين تجرّده عن ذاته في شهر رمضان المبارك وبين مفهوم الحرية في العيد.

وقد اشار امير المؤمنين الأوحد علي بن ابي طالب عليه السلام الى جمال الحرية بين الناس وعمق العبودية مع الله تعالى بقوله: "كل يوم لا يُعصى فيه الله فهو عيد".

*مدير الشؤون الادارية في هيئة التبليغ الديني في المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى.