مجرد رصد تطورات الميدان السوري، يدرك المرء أن ثمة تغييرات اقليمية مقبلة خلال بضعة أشهر. لا تقتصر التغييرات على جغرافية سورية-عراقية اثر تدرج هزيمة تنظيم "داعش"، بل تطال سياسات وقرارات المنطقة برمّتها. لم يعد الجيش السوري مدافعاً عن مواقعه، بل أصبح مع حلفائه يشن هجمات مستمرة على مساحات البلاد ضد مجموعات المسلحين. لعل المشهد على الحدود العراقية كافٍ للجزم أن الجيش وحلفاءه قادر على اجهاض مخططات التقسيم، ونسف الخطوط الحمر التي وضعها الاميركيون، وفرض حسابات سياسية جديدة عند الاتراك والأوروبيين والاميركيين ازاء سوريا. لقد بدأت المؤشرات تتدرج: فالأوّل جاء عبر الغزل الضمني للرئيس الفرنسي بالرئيس السوري بشار الاسد، يؤكد أن باريس سلمت بقدرة دمشق على فرض معادلاتها الوطنية. لم تعد اوروبا رأس حربة ضد "سوريا الأسد". ما تنتظره دمشق هو اعادة فتح السفارات لنسج علاقات سياسية وامنية جديدة مع عواصم اوروبا. ​فرنسا​ قبل غيرها تحتاج للتنسيق الامني مع سوريا. كانت باريس طرحت سابقا تنسيقا وطلبت معلومات مخابراتية عن ارهابيين من دمشق، لكن القيادة السورية اشترطت المرور بالطرق الدبلوماسية عبر السفارات. حان الوقت الآن لاعتراف الاوروبيين بالقدرة السورية ودعم دمشق في حربها التي تخوضها نيابة عن العالم ضد الارهاب.

المؤشر الثاني: سياسة ضمنية أميركية باتت تتبعها ادارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفضا لطلبات لجوء يتقدم بها معارضون سوريون للعيش في الولايات المتحدة بحجة دعمهم الإرهاب. هذا يعني ان الأميركيين استخدموا ورقة المعارضة السورية طويلا، ورموها اليوم بعد انتفاء الحاجة اليها. المعارضون انفسهم يرددون كلاما عن تعاون اميركي-روسي لضرب المعارضين السوريين في السياسة والعسكر. واذا كان الافق الاميركي يغيب الآن حول سوريا، فإن البيت الابيض يمضي على قاعدة ان محاربة الارهاب أولوية. الإعتراف في واشنطن يتردد حول اهمية دور الأسد في محاربة الإرهاب، الى حد ان السفير الاميركي السابق في دمشق روبرت فورد الذي انغمس سابقا بأدوار دبلوماسية وسياسية تحريضية ضد السوريين لاسقاط الأسد، هو نفسه بات يكرر الكلام في مجالسه ومحاضراته ان "الأسد انتصر".

لا يقتصر الأمر على مؤشرات ميدانية وسياسية دولية. الاهم ما يحصل في المنطقة: الخلاف القطري-السعودي ترك تداعيات واسعة بدأت تُترجم في الميدان. لكن كلاما يقال في الصالونات السياسية الضيقة ان اتقاقا تركيا-ايرانيا-قطريا ترضى عنه واشنطن ويقضي بضرب جبهة النصرة في إدلب. من شأن هذه الخطوة القضاء على معقل الارهابيين في سوريا بعد "داعش". بالمحصّلة هو انتصار لمنطق محور المقاومة ويكمل إنجازات "المحور".

كل ذلك دفع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله للحديث عن "انتصار المحور". ما يعني ان سوريا والعراق وايران واليمن قادرون على التحكم بمسار الميدان والسياسة في المنطقة. هذا كان في صلب حديث نصرالله في ذكرى يوم القدس العالمي. حتى ان السيد نصرالله توجه بشكل واضح لإسرائيل ليعلن ان المواجهة اختلفت. لم تعد محصورة بمجموعة لبنانية. باتت الحدود المحتلّة مشرّعة لجنسيات مقاتلة بالجملة.

المرحلة جديدة بالكامل. قد لا يكون لبنان بمنأى عن تداعياتها سياسيا، خصوصا ان الإنتخابات مقبلة. فهل يكرّس "المحور" معادلاته اللبنانية بعد مدّ وجزر في السنوات الماضية بين تيارين؟، بالطبع ستكون إنتخابات 2018 مختلفة عن 2009 وقبلها 2005. ماتت التموضعات الاذارية بشقّيها 8 و14، وبات اللبنانيون يترقبون تموضعات وسياسات تفرضها "انتصارات المحور". فلننتظر الخريف المقبل على المنطقة، قبل ربيع الإنتخابات في لبنان.