يؤكد مشهد طرابلس عشية ​عيد الفطر​ أن المدينة انتصرت على كل الأفكار الظلامية التي حاولت أن تسلخ المدينة وأهلها عن تاريخها وعاداتها وتقاليدها، ومن يتابع حركة المدينة التجارية يدرك أنها انتصرت بإرادة أهلها المحبين، الذين يؤمنون بأن محبة الله تكون بالعطاء والكرم والوفاء ومساعدة الفقراء.

عاد المشهد الطرابلسي الى العناوين، لكن هذه المرة من باب المنافسة التجارية، حيث تحوّلت معظم شوارع المدينة واحيائها الى لوحة فنية تجسد حالة عاصمة الشمال التي تفتح ذراعيها لتستقبل ابناءها من كل الشرائح. ها هي اسواق القمح والبازركان و"الكندرجية" والعريض وعزمي ونديم الجسر وبور سعيد في الميناء تعج بالمواطنين القادمين من كل مناطق طرابلس، يشاركهم هذا الازدحام أبناء الكورة وعكار والضنية الذين اعتادوا زيارة الأسواق المتنوعة بمنتوجاتها الرخيصة والتي تفسح المجال أمام الجميع لكي يلبسوا ثياب العيد الجديدة.

عيد الفطر هذا العام تميز بحركة تجارية مميزة، فحسب رأي مازن أحد اصحاب المحلات في الاسواق التجارية فإن "الاستقرار والامان المتوفران في طرابلس ساهما باعادة الحيوية الى الاسواق، وشجعا ابناء المناطق الشمالية على ارتياد اسواق المدينة والتجوال يوميا حتى ساعات السحور"، مشيرا الى "أنها المرة الاولى منذ سنوات التي نشعر بها أن هذا العيد فرصة لتعويض خسائرنا وكساد بضاعتنا الذي تسببت به الاحداث السابقة".

من جانبها، تتجول عائلة جميل من محل الى آخر لشراء ثياب العيد للأولاد الاربعة، وقال الأب: "ان ليالي طرابلس تحولت الى مهرجانات متنقلة ونشعر بلذة الفرح خلال تجوالنا، هذه اللذة التي افتقدناها لسنوات واليوم تعود طرابلس الى تألقها فرحا بالعيد حيث الأجواء تنقلنا الى عالم من السعادة والفرح".

بدوره، لفت خالد الى أن اسعار البضائع هذه السنة معقولة ومتفاوتة حسب النوع والذوق، وبالتالي تستطيع أي عائلة شراء حاجياتها، مع ملاحظة أن اسواق طرابلس غزتها في الآونة الاخيرة البضائع التركية بأسعار مقبولة. من جهته قال أحمد سالم صاحب محل لبيع الثياب أن هذا الشهر فعلاً هو خير من الف شهر لأنه أفسح لهم المجال للعودة الى الحياة التجارية من خلال تدفق المواطنين لشراء حاجاتهم.

الأغلبية تعتبر أن معظم التجار نجحوا في التغلب على النكسات السابقة، رغم غياب الحكومة عن تعويضهم خسائرهم، وذلك بعد تثبيت الامن والامان لأن طرابلس كانت أهم بوابة تجارية وستبقى، وساهم في ذلك سهرات رمضان التي أحيتها سليمة ريفي في خان العسكر الذي يقع في قلب المدينة المملوكية القديمة، ذاك الخان الذي فتح المجال لأهل المدينة لزيارة المناطق الشعبية وتشجيع الحركة التجارية بعد قطيعة دامت سنوات بسبب الأحداث السابقة، ما دفع بعض أصحاب المحلات في أسواق طرابلس الاثرية إلى أخذ قرار بأن تستمر النشاطات في الخان بعد عيد الفطر لتستمر هذه الحركة التجارية.

ما تقدم لا يغني أن البعض الآخر وجد أن الاسعار مرتفعة ومتفاوتة بين مكان وآخر، متمنين أن تراعي بعض هذه المحلات أوضاع الفقراء، خصوصاً أن معظم سكان المناطق الفقيرة يعانون من تراجع الأعمال في الورش وغيرها، لذلك فإن المطلوب من الجمعيات الخيرية الاهتمام أكثر بالفقراء والعمل على مساعدتهم عشيّة اطلالة الأعياد.