كالعادة، مع اقتراب فصل الصيف، تتكاثر الاخبار والشائعات عن اقتراب الحرب التي ستندلع مع ​اسرائيل​ وتبدأ من الحدود الجنوبية ل​لبنان​. وفيما يعزز مصدّرو هذه الاخبار اقوالهم بذرائع وحجج كلها تؤكد "ان الحرب باتت على الابواب"، تبقى الامور سائرة في الوتيرة نفسها في الحياة العادية دون ان تتأثر.

هذا الصيف لم يكن مختلفاً عن الذي سبقوه، فـ"دشّنه" مروّجو الحروب بأن الحرب ستحصل حتماً هذا خلاله، في بدايته او نهايته على ابعد تقدير، وان مدتها لن تكون طويلة. واللافت ان هذه الاقوال تتزامن مع تهديدات يطلقها المسؤولون الاسرائيليون من ضباط ومدنيين، مفادها ان اي مواجهة ستحصل في الجنوب لن تمر مرور الكرام، بل ستستدعي رداً مزلزلاً من قبل اسرائيل.

منذ ايام قليلة، تحدث الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ولن نتوقف عند كل المواضيع التي تطرق اليها، والتي اثارت تضارباً في المواقف داخل لبنان، ولكن لا بد من التوقف عند ما قاله بالنسبة الى الشق المتعلق باحتمال اندلاع حرب بين لبنان واسرائيل. حسم نصر الله الامر بوضوح، واعطى كل التلميحات والكلام المباشر الذي يصب في خانة الطمأنة بأن اي حرب قريبة مع اسرائيل ليست على اجندة احد.

واللافت ان هذه المرة، كاد نصر الله ان يكون جازماً حاسماً بكلامه، فيما كان في السابق يكتفي بالاشارة الى ضعف اسرائيل، والى تهديدها وتحذيرها من ان اي "مغامرة" لها ستكون مكلفة، وان حزب الله بالمرصاد لها حتى ولو انه يقاتل في سوريا. هذه المرة، تضمنت الكلمة كل هذه الامور، انما اضيفت اليها "نكهة" من الثقة الزائدة بأن الحرب لن تطرق ابوابنا.

من البديهي التفكير في هذا السياق، بأن التطورات التي شهدتها المنطقة، تعزز فرضية استبعاد الحرب بين لبنان واسرائيل، لانه اضافة الى القدرات العسكرية لحزب الله وزيادة ترسانته من الاسلحة البرية والجوية والبحرية (باعتراف الجميع)، هناك جملة امور لا يمكن التغاضي عنها، لعل اولها ان شروطاً جديدة اضيفت الى المواجهات العسكرية وهي التنسيق الالزامي مع روسيا للسماح للطائرات الاسرائيلية بالقيام بحملة مماثلة كالتي قامت بها ابّان عدوان العام 2006 على المناطق اللبنانية، والتفكير بما يمكن ان تقدمه ايران من مساعدة لوجستية وعسكرية وحتى انضمام عناصر لمساندة الحزب اذا ما اقتضت الضرورة، كما فعلت مع سوريا (ولن يلوم احد الدولة اللبنانية على تلقيها مثل هذه المساعدة لان لبنان عندها سيكون في خضمّ حرب). اما من الناحية السياسية، فالتداعيات خطيرة جداً، لانها ستسمح باعادة استقرار المنطقة الى وضع "الرقص على حافّة الهاوية" وستسمح باستعادة الارهابيين مواقفهم ليعمدوا الى التحرك دون قيود او شروط، كما ستعيد المنطقة الى الملعب الدولي الذي جهدت روسيا كي تبقيها بعيدة عنه قدر الامكان، وستوقف بالتأكيد مسار القطار الذي تم وضعه على الخط من اجل بدء العد العكسي لتسوية الازمة السورية ومعها المنطقة بشكل عام. كل ذلك، في ظل مواقف سياسية اميركية متناقضة وعدم وضوح في اقوال الدولة التي من المفترض ان تكون هي الحكم والمقرر في هذه الامور، كما حصل عام 2006 حين كانت واشنطن تدير اللعبة بالكامل من الناحية السياسية.

اما العامل الاهم الذي يشكل مصدر قلق واضطراب للغرب، فهو عامل اللاجئين السوريين الذين سيوجهون اهتمامهم نحو دول المنطقة ومنها الى القارة العجوز وغيرها من القارات، مع كل ما يعنيه ذلك من خوف لدى الدول الاجنبية على اكثر من صعيد.

وفق كل هذه المعطيات، لا حرب بين لبنان واسرائيل في المدى المنظور، وكلما اقترب قطار التسوية، قلّت معه نسبة اندلاع مثل هذه الحرب، لانه ما ان يحط رحاله، سيكون من الصعب جداً اذا لم يكن من المستحيل، اتخاذ مثل هذا القرار، وقد تكون من المرّات القليلة التي يتمتع فيها لبنان بأفضلية عامل الوقت الذي يصب في مصلحته هذه المرة، على امل ان يكون هذا الصيف الخالي من هموم التفكير بالحروب، مليئاً بالفرص والاحداث الايجابية والسياحية للبنان.