حين غاب النائب ​سليمان فرنجية​ عن "افطار بعبدا" الذي اقامه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وجمع الاقطاب اللبنانية جميعاً، لم يكن الهدف سياسياً، ولو ان "طبق قانون الانتخابات" تم بحثه في لقاءات ثنائية جانبية، يومها اختار فرنجية عدم المشاركة وارتكب بالتالي خطأ غير مبرر، وكتبنا ايضاً انه لو شارك بالفعل، لكان تحول الى نجم المناسبة، ولعله كان سرق الانظار من اللقاءات التي عقدت ومن قانون الانتخاب.

بالامس القريب، انضم النائب الزغرتاوي الى اجتماع رؤساء الاحزاب المشاركة في الحكومة الذي عقد بمبادرة من عون في قصر بعبدا، وصدقت توقعاتنا حيث تحول الى نجم اللقاء، وركزت وسائل الاعلام عليه بشكل كبير رغم انه لم يدل بمواقف او تصريحات مفاجئة او من شأنها تغيير اوضاع البلد، لكن وجوده في القصر الجمهوري بحد ذاته كان مؤشراً الى ان جبل الجليد بدأ يتأثر بالحرارة، حتى انه تحدث قبيل مغادرته القصر وقال كلاماً ايجابياً تجاه رئيس الجمهورية ميشال عون، وكأنه يلمح الى ان حجر الاساس لارساء المصالحة قد تم وضعه.

كل المعطيات كانت توحي أنّ فرنجية لن يخرج عن الاجماع الذي تحقق فيما خصّ "وثيقة بعبدا 2017"، ولكن الحق يقال ان "الانتقاد" الذي تعرّض له من احدى المحطات كان مجانياً ولا لزوم له، وأتى عكس التيار الذي كان سائداً واخذ تفسيرات كثيرة، منها ما تم تضخيمه ونسبه الى مراجع عليا لم تكن على دراية به (وفق ما تؤكد مصادر عليمة).

على اي حال، إنّ المصافحة التي سجّلت على هامش الاجتماع بين فرنجية ووزير الخارجية ​جبران باسيل​ وئيس القوات اللبنانية ​سمير جعجع​ وبعدها تلك التي جمعته ورئيس الجمهورية، كانت كافية لأنْ تتصدّر أولويات تعليقات وسائل الاعلام في اليوم التالي. فمن فاز ومن خسر مِنْ تواجد فرنجية في بعبدا؟.

في الواقع، لم يكن هنا من خاسر، فقد عوّض النائب الزغرتاوي ما خسره حين قاطع إفطار بعبدا، ولكنه عاد واستدرك الوضع وشارك في اللقاء الاخير، ما يعني انه كسب نقاطاً بعد تجربة لم تحقّق له النجاح، وأظهر انه يمكنه ان يغرّد مع السرب الحكومي عندما يريد.

في المقابل، حقّق عون الإجماع الذي يريده في الحكومة، ولو أنه لا يزال ينتظر الانتخابات النيابية ليشكّل حكومة العهد الاولى، كونه يعتبر الحكومة الحالية أساسية في تعبيد الطريق امام حكومة العهد الاولى التي ستنطلق في قطار التنفيذ. وبذلك، يكون عون ايضاً فائزاً من حضور فرنجيّة لأنه اعطى صورة شاملة له بعدما تم اتهامه بأنه يحاول إقصاء كل من يعارض رأيه، فسقط الاتهام بالصورة الجماعية التي التقطت.

هذا الامر أراح ايضاً الساحة المسيحيّة وهي الطائفة التي ينتمي اليها عون وفرنجيّة، والتي تجد نفسها ضمن المرّات القليلة والنادرة التي تحتضن فيها الغالبيّة الكبرى من الاطراف والاحزاب المسيحيّة وفق تصور واضح، فيما يبقى حزب الكتائب وبعض الشخصيات المستقلة خارج هذه الغالبية.

اذاً هو لقاء الفائزين، ولكنه ايضاً بمثابة الخريطة الواضحة التي وضعها عون للتأكيد ان الآتي من الايام سيحمل معه تنفيذاً تطبيقياً للامور الحياتية والمعيشية التي نادى بتحسينها منذ اليوم الاول لانتخابه، وان ما تحقق من امور مهمة في ايام حكومة لا يعتبرها حكومة العهد الاولى، سيقابله تحقيق امور أهمّ في حكومة ما بعد الانتخابات التي ستكون اكثر ارتياحاً وحرية، ويعوّل عليها رئيس الجمهورية قبل غيره من الناس للاشادة بعهده، وترك بصمة واضحة مع انتهاء السنة الاولى من السنوات الست، والدخول في السنة الثانية بثبات اكبر واصرار اقوى. فهل يكون اجماع القوى المشاركة في الحكومة كافياً كي يبدأ تنفيذ المشاريع الحياتيّة بشكل ملموس، أم انها ستبقى مؤجّلة الى مراحل اخرى قد تطول وتطول؟.