ما كاد خبر توقيف الفنّانة السورية أصالة نصري في مطار بيروت بعد ضبط مادة مُخدّرة في علبة لمُستحضرات التجميل ضمن أمتعتها الخاصة يتسرّب عبر "النشرة"، حتى ضجّت وسائل الاعلام والكثير من المواقع الإخباريّة وصفحات مواقع التواصل الإجتماعي بهذه "الفضيحة"، قبل أن يبدأ الجدل بين اللبنانيّين بخلفيّات سياسيّة محض بشأن آفة إجتماعيّة محض!

شكّ أنّ الإطلاق الفوري للفنّانة أصالة في يوم عطلة أثار إستغراب الكثيرين، لأنّ اللبنانيّين مُعتادون على التباطؤ الكارثي في بتّ المسائل القضائيّة، خاصة إذا صادف أيّ شخص مُشكلة قانونيّة في الليل أو في يوم عطلة. وقد ساهم هذا الأمر في "صبّ الزيت على النار" بالنسبة إلى التراشق الإعلامي بين من رفض إطلاق الفنّانة السوريّة ومن رفض توقيفها من أساسه. وكان التراشق الإعلامي الذي حصل بين اللبنانيّين ليكون مَقبولاً وعبارة عن مُجرّد إختلاف في الرأي إزاء قضيّة المُخدّرات، لولا قيام الكثير من المُشاركين، باستحضار السياسة في هذا الجدل. فالبعض رأى في توقيف أصالة-ولوّ لساعات، في قضيّة تمسّ السمعة الشخصيّة، مُؤامرة للنيل من مُعارضة شرسة للنظام السوري بتسهيل من قبل شخصيّات سياسيّة لبنانيّة نافذة مُؤيّدة للنظام السوري و"كلمتها مَسموعة" داخل حرم المطار! في المُقابل، رأى البعض الآخر أنّ إطلاق أصالة بعد توقيف محدود في قضيّة تعاطي ونقل ممنوعات من مادة الكوكايين تحديدًا، يُمثّل خرقًا للقانون اللبناني وتدخّلاً في سير عمل القضاء من قبل شخصيّات لبنانيّة نافذة مُعارضة للنظام السوري!.

وفتح هذا الموضوع الجدل على مصراعيه بشأن رفض تطبيق القانون "على ناس وناس"، حيث راح عدد من اللبنانيّين يتحدّث عن المذلّة التي يتعرّض لها أي لبناني في حال ضُبطت بحوزته كميّة صغيرة جدًا من الكوكايين أو في حال قُبض عليه مُتعاطيًا هذه المواد المَمنوعة، وعن العقوبة القاسية التي تنتظره، مُقارنين كل ذلك بأسلوب التعامل السلس والراقي مع أصالة. في المُقابل، دعا المُدافعون عن إطلاق أصالة-ومن نفس مبدأ رفض تطبيق القانون "على ناس وناس" لكن من وُجهة نظر أخرى، إلى توقيف كل اللبنانيّين الذين يزرعون المَمنوعات ويُتاجرون بها ويُشكّلون عصابات مُسلّحة لحماية هذه العمليّة، من مرحلة الزراعة مُرورًا بمرحلة الحصاد والتوضيب والتصنيع، وُصولاً إلى مرحلة البيع والتسويق، بدلاً من "عرض العضلات" على فنّانة تحمل بضع غرامات من الكوكايين!

ومن موضوع زراعة الحشيش وتجارة المُخدرات إنتقل الجدل إلى الدولة "التي لا تُساوي بين أبنائها"، فتُغرّم من يُقفل شُرفة منزله بستائر زجاجيّة من دون ترخيص في منطقة مُعيّنة، وتغضّ الطرف عن البناء العشوائي لأبنية كاملة من دون تراخيص بقوّة الأمر الواقع في الكثير من المناطق اللبنانيّة الأخرى، وبين دولة تُعاقب من يقوم بأدنى مُخالفة سير في سيارة تتمتّع بكامل الأوراق القانونيّة والشرعيّة، وتغضّ الطرف عن مئات بل عن آلاف السيارات المُخالفة والتي تسير على الطرقات يوميًا بدون لوحات وبشكل مُخالف لكل القوانين في بعض المناطق خارج سُلطة قوى الأمن. وشمل الجدل المُرتبط بالدولة "التي لا تُساوي بين أبنائها"، مُقارنة حسّية بين دولة تُوقف وتُغرّم صيّادًا تباهى بصيد العصافير على مواقع التواصل الإجتماعي، ودولة تترك مُسلّحي العصابات وحملة السلاح الحربي غير المُرخّص والمطلوبين بعشرات مُذكّرات التوقيف يسرحون ويمرحون في بعض المناطق بحجّة العجز عن توقيفهم وتوفّر حماية مناطقيّة ومذهبيّة وحزبيّة لهم!. ومع كل مثل جديد عن "شواذات" الدولة اللبنانيّة، كان يشتعل الجدل بين اللبنانيّين على مواقع التواصل الإجتماعي، لأنّ ذكر أي منطقة يعني توجيه الإتهام لبيئة مُحدّدة، ولمذهب مُعيّن، ولحزب دون سواه، ولأنّ ذكر أي تهمة يحمل في طيّاته غمزًا من قناة بيئة مُحدّدة وفئة مُحدّدة بخلفيّة سياسيّة حاضرة دائمًا وأبدًا!.

والمُفارقة أنّ قلّة قليلة جدًا من الأشخاص الذين شاركوا في الجدل الذي فتحه "كوكايين" أصالة على مصراعيه، تناولت قضيّة المُخدرات كآفة إجتماعيّة تفتك بالمُراهقين في لبنان بأعداد مُتزايدة، وترافق بعضهم بارتداداتها السلبيّة والمُدمّرة طوال شبابه وربما طوال وعمره. وقلّة قليلة طرحت الموضوع من زاوية الشفقة على المُدمنين الغارقين في هذه الآفة، لاعتقادهم بأنّ المُخدرات تُشكّل خلاصًا لمشاكلهم النفسيّة والعائليّة والغراميّة والمادية والوُجوديّة، إلخ. أو من زاوية الشفقة على الفنّانين وسواهم من الأشخاص المًوجودين تحت الضوء لاعتقادهم بأنّ المُخدّرات تؤمّن نشاطًا جسديًا وتخديرًا فكريًا يُحفّزهم على العطاء وعلى مُواجهة ضُغوط الشهرة! ولم يطرح أحد إقتراحات يجب الأخذ بها للتعامل مع هؤلاء المَرضى المُدمنين، وكيفيّة تعامل الدولة اللبنانيّة مع كل مُدمن أكان لبنانيًا أم لا، أكان مشهورًا أم لا، لجعل المسألة أقرب إلى علاج مريض من مرضه منه إلى مُحاكمة مُجرم على جرمه!

وفي الختام، إنّ "كوكايين" أصالة-وبغضّ النظر عن المآخذ المُحقّة على أسلوب تعاطي الأجهزة اللبنانيّة المعنيّة مع هذه القضيّة، سلّط الضوء على آفة أكبر وأخطر بكثير من آفة الإدمان على المُخدّرات، وتتمثّل في إدمان الكثير من اللبنانيّين على تنشئة سياسيّة وطائفيّة ومذهبيّة وفكريّة وحزبيّة على كره الآخر المُختلف!. وإذا كانت آفة المُخدرات مُدمّرة للشخص المَعني ومُحبطة لعائلته بكاملها، فإنّ آفة إنقسام اللبنانيّين الفوريّة على أصغر وأتفه الأمور تنخر أساسات وطن بكامله وتحضّره للتدمير والسقوط الكامل ما أن يُصادف في المُستقبلخلافًا أبعد وأعمق من بضعة غرامات من الكوكايين!