ليست المرة الاولى التي يقوم بها ​الجيش اللبناني​ بعمليات مميّزة في اطار تنفيذه لشعاره "شرف، تضحية، وفاء"، والذي زاد تميّزه في السنوات القليلة الماضية بفعل ازدياد وتنامي المخاطر المحدقة بلبنان من قبل المجموعات والمنظمات الارهابية، التي حاولت تحويل لبنان الى قاعدة او ملاذ آمن لها، فسقطت احلامها وتوقعاتها بفضل عزم واصرار المؤسسة العسكرية.

بالأمس، نفّذ الجيش عملية نوعيّة في مخيّمات عرسال للاجئين السوريين، سقط له فيها جرحى فيما نجح في تفادي سقوط شهداء له هذه المرة (والحمد لله). وما ان انتهت العملية التي جنّبت لبنان وشعبه مآس كبيرة، حتى تعالت بعض الأصوات المريضة التي انتقدت مداهمة الجيش لبعض أماكن المخيمات وما قام به. واللافت ان هذه الاصوات نفسها لم يرفّ لها جفن حين فجّر أحد الارهابيين نفسه امام افراد من اسرته وأدّى الى مقتل طفلة لم تكمل عامها الرابع. فهل اقتحم الجيش مكاناً للصلاة؟ وهل من واجههم هناك كانوا يحملون اغصان الزيتون؟ وهل فعلاً أرادوا ايصال رسائل دينية من خلال قتل طفلة لم ترَ من الحياة سوى بشاعة شكلهم وفظاعة أفكارهم وقذارة نفسيّاتهم؟ وهل المتفجّرات واأسلحة تساعد في تحسين أسلوب عيش النازحين؟.

ما قام به الجيش خطوة متقدّمة على طريق مكافحة الارهاب، وفتح الباب امام عودة التساؤلات حول ما اذا كانت معركة جرود عرسال قد اصبحت على الابواب. هذا السؤال شرعي، ولكن المعطيات التي تحكم حصوله وعدم حصوله لا تزال نفسها ولا تتعلق بالمسائل الميدانية والقدرات الشخصية، انما ترتبط بالعقدة السياسية التي يجب حلّها قبل الاقدام على هذه الخطوة.

ولكن، في انتظار الحصول على ضوء اخضر سياسي (محلي واقليمي ودولي)، لا يقف الجيش مكتوف اليدين، بل يعمل على مقاومة الارهاب بشتى السبل المتاحة، وهو يعمد الى استراتيجية الضربات الاستباقية التي اثبتت فعاليتها، كونها الوحيدة التي تكفل القضاء على العمليات الارهابية قبل حصولها. ووفق الاستراتيجية المتّبعة، فإن العمل ينجز على قاعدة الهرم، حيث يعمل الجيش على "اصطياد" المحرك الاساسي والعقل المفكّر للعمليات، ثم يستهدف بعدها وبعد توافر المعلومات اللازمة والكافية، المنفذين الذين لا يتعدّى دورهم ان يكونوا البيادق فيذهبون في مهمات دمويّة لا هدف منها سوى إراقة الدماء ونشر الخوف.

الاستراتيجية الجديدة للجيش مبنية على معطيات ومعلومات ومراقبة للوضع، فقرار القضاء على "داعش" والارهابيين اتّخذ وباتت مراحل تنفيذه في قسمها الاخير، وبالتالي، في غياب أيّ حلٍّ عسكري يملكه هؤلاء الارهابيون، فإن الخيار المنطقي الوحيد لهم يبقى في القدرة على التغلغل في الاماكن العامّة وتحيّن الفرصة للقيام بعمليات إرهابية أمنياً من شأنها ان تعوّض معنوياً على مسؤولي هذه المنظمات والجماعات الارهابية، وتبقي فكرة العنف والقتل حيّة في افكار الشباب المتحمّس والمستعد ان يقوم بكل شيء لاثبات نفسه واللحاق بفكرة او عقيدة تمكّن المجرمون من زرعها في رأسه.

وعلى عكس كل ما يقوله جزء قليل متبقّ من الناس، فإن الجيش ليس امام امتحان انساني او اخلاقي فهو قد فاز بهما بدرجة امتياز، ولا يحتاج الى إذن للدفاع عن أرض وشعب نذر نفسه لهما وبذل في سبيل ذلك أغلى التضحيات واكبرها، وهي ضريبة الدماء، ليس ارضاء لنزوة مجرمة، او لمتعة القتل وعبادة الارهاب، بل من اجل استمرارية الحياة وتغليب القيم الانسانية على ما عداها.

لن تنفع "قصة ابريق الزيت" هذه المرة وستبقى الأصوات الشاذّة المريضة محصورة في مساحات صغيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما ستحفر بطولات الجيش في كل بقعة من الاراضي اللبنانية، وستبقى قافلته المكافحة للارهاب تسير ولن توقفها اصوات او مخيمات، ولم يعد الجيش مستعداً لتلقّي الهجمات ليردّ عليها، بل سيكون "كابوس" الارهابيين اينما وجدوا على ارض لبنان.