على الرغم من الضغط الديمغرافي الضخم الذي يُشكّله وجود نحو مليون ونصف المليون سوري في لبنان، وعلى الرغم من كل المشاكل الإقتصادية والإجتماعيّة والأمنيّة والحياتيّة التي ولّدها أو سبّبها هذا الوجود، لا يزال حلّ ​أزمة اللاجئين​ بعيد المنال لأسباب مختلفة، ولا يزال هذا الملف محلّ أخذ وردّ داخلي لأسباب عدّة أيضًا. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد ما يلي:

أوّلاً: جزء من هؤلاء النازحين مُؤيّد للنظام السوري وأوراقه قانونيّة، وهو يستطيع الدخول إلى سوريا والخروج منها في أيّ وقت ومن دون مشاكل تُذكر، لكنّه لا يُريد ذلك لدواعٍ إقتصاديّة حيث أنّه يعمل ويكسب الأموال بشكل جيّد في لبنان.

ثانيًا: جزء كبير من هؤلاء النازحين مُعارض للنظام السوري، وهو لا يُريد العودة إلى أي منطقة خاضعة لسيطرة ​الجيش السوري​، خشية الإنتقام منه، ولا يرغب في الوقت عينه بالتوجّه إلى منطقة خاضعة لسيطرة إحدى الفصائل المُعارضة أيضًا، لصعوبة هذا الأمر من الناحية العمليّة أوّلاً، ولأنّ هذه المناطق غير آمنة ولا مُستقرّة إقتصاديًا وإجتماعيًا ثانيًا. كما أنّ قسمًا كبيرًا من هؤلاء يستفيد من مُساعدات مالية وحياتيّة من المُنظمات الدَوليّة والإنسانيّة لا يريد خسارتها.

ثالثًا: بعض السوريّين في لبنان لا يملكون أوراقًا قانونيّة، والبعض الآخر يُعتبر من بين الفارين من الخدمة العسكريّة الإلزاميّة، وفئة أخرى تأقلمت مع واقعها وحياتها الجديدة في لبنان، إلخ. وكل هذه المجموعات وغيرها لا تُفكّر بالعودة إلى سوريا، أو على الأقلّ هي غير مُستعجلة لذلك.

رابعًا: "تيّار المُستقبل" يأتي في طليعة الجهات السياسيّة اللبنانيّة التي ترفض مُمارسة أيّ ضغوط على النازحين السوريّين لإرغامهم على العودة إلى بلادهم، بحجج سياسيّة وإنسانيّة مُختلفة. كما أنّ موقف "المُستقبل" مُعارض لأي تنسيق مع النظام السوري في هذا الصدد، وموقفه المذكور يتقاطع مع مواقف قوى سياسيّة فاعلة أخرى، ومنها "القوّات اللبنانيّة" على سبيل المثال لا الحصر، لجهة رفض التواصل مع نظام الرئيس السوري بشّار الأسد، الأمر الذي زاد من تعقيدات ملفّ النازحين، وصعّب من إمكان إيجاد الحلول المناسبة له.

خامسًا: مُشكلة النازحين السوريّين الذين يُقدّر عددهم الإجمالي بما لا يقلّ عن خمسة ملايين نسمة مُوزّعين على كل من لبنان و​الأردن​ وتركيا وغيرها من الدول، باتت مُرتبطة مباشرة بالصراع السياسي الإقليمي والدَولي، ما جعل حلّها مرتبطًا بدوره بلعبة "شدّ الحبال" بين الأطراف المعنيّة بالأزمة السوريّة. وبالتالي صار ملفّ اللاجئين السوريّين "ورقة ضغط" يستخدمها أكثر من طرف سياسي إقليمي ودَولي على طاولات التفاوض، وهؤلاء لن يُسهّلوا أيّ حلول أحاديّة، ولا أيّ حلول مجانيّة حيث أنّهم يطمحون لقبض ثمن ذلك من الناحية السياسية وغيرها.

سادسًا: النظام السوري نفسه غير مُستعجل لحلّ أزمة اللاجئين الذي غادروا سوريا خلال سنوات الحرب السوريّة، لأسباب مُختلفة تبدأ بعدم ترحيبه بعودة أي مُعارض، وتمرّ بالضغوط والصعوبات التي تُواجهها السُلطات السوريّة حاليًا لتلبية حاجات السوريّين الذين لا يزالون في سوريا من النواحي الحياتيّة والإقتصاديّة والمالية، وتصل إلى رغبة النظام في جرّ الحُكم اللبناني إلى مُحاورته من موقع ضُعف، ردًا على المواقف التي إتخذتها أطراف سياسيّة لبنانيّة عدّة منه منذ العام 2005 حتى تاريخه.

إشارة إلى أنّ "سيناريو" أزمة اللاجئين السُوريّين المُتفاقمة في لبنان، بدأ يقترب من تكرار "سيناريو" أزمة اللاجئين الفلسطينيّين إلى لبنان، حيث يبدو أنّ الإستضافة التي كان من المُفترض أن تكون مُوقّتة ستتحوّل مع مرور الزمن إلى تهديد وجودي للكيان اللبناني من النواحي الديمغرافيّة والإقتصاديّة والأمنيّة والإجتماعيّة وغيرها. وبالتالي من غير المَقبول على الإطلاق الإستمرار بتقاذف هذا الملفّ بخفّة، وبوضع "الفيتوات" والشروط من دون تقديم البدائل، والمطلوب المُسارعة إلى دراسة أفضل السُبل لحلّ هذا الملف الشائك، ولوّ على مراحل وبشكل تدريجي.