قد يتجاوز الطالب المرحلة الدراسية الثانوية من دون أن تكون الرؤية الصحيحة للاختصاص الذي يرغب به قد تكونت بعد.. وقد يتجاوز المرحلة الجامعية من دون أن تتكون لديه رؤية وطنية واضحة.

والحيرة التي يغرق بها الشباب ال​لبنان​ي تعود أسبابها لعدم وجود سياسة تربوية تنمي تطلعاته المستقبلية إلى الجوانب التطبيقية، وإلى التطورات العلمية الحديثة التي ترتبط بواقع الحياة العملية وبسوق العرض والطلب.

بالنسبة إلى ​التعليم المهني​، فإن أبرز العقبات التي تواجه الطالب، الراغب في الدخول إلى هذا المجال، هي إصطدامه برفض الأهل وصدهم له، وذلك بسبب العقلية اللبنانية المتخلفة والنظرة الدونية الى التعليم المهني، مع العلم أنه من خلال التعليم المهني يمكن للطالب متابعة دروسه الجامعية، وهذا ما كنا ننصح به الأهل باستمرار، كما أن الطالب في المعاهد المهنية والفنية يكتسب خبرة تطبيقية واسعة، ويطرق أبواب المعرفة العملية.

نحن في لبنان بحاجة إلى سياسة تربوية واضحة الأهداف لمواجهة تحديات العصر، وذلك انطلاقا من خلق خيارات تخصص متعددة، الى جانب تيسير العلم المهني والتقني، وذلك بالتكيف التدريجي، لانتزاع النظرة الخاطئة وخلق بيئة تبرر أهمية الحاجة إلى يد عاملة لبنانية متخصصة بدل اليد العاملة الأجنبية.

المسؤولية عن تلك النظرة الدونية إلى التعليم المهني مشتركة بين كافة شرائح المجتمع، ولا بد لنا من أن نتبنى قناعات جديدة بأن يصبح التعليم المهني أولوية في برامجنا، لأنه الوسيلة الفضلى لفتح آفاق جديدة ولإيجاد فرص عمل للشباب والاستغناء كلياً عن العمالة الأجنبية، حيث تخرج مبالغ ضخمة من لبنان يمكن أن تكون من نصيب اللبنانيين.

أحزاب، أرباب عمل، جمعيات، اقتصاديين.. كل منهم لديه نهج وأسلوب عمل لبلوغ أهدافه الكبرى.. فما هي أهداف دولتنا الموقرة؟ وما هو منهجها التربوي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي؟ وما هي فرص العمل التي تسعى اليها من وراء تلك المناهج؟

جميع الدول تضع أهدافها لتطوير برامجها على ضوء حاجاتها، وفي الماضي كما اليوم هنالك أمثلة عديدة. في الماضي، المدينة اليونانية اسبرطة هدفت إلى إعداد أبناءها ليكونوا جنودا مقاتلين، فسعت من خلال برامجها التربوية إلى تنمية قوتهم البدنية والطاعة لرؤساءهم، وكذلك فعلت روما، عندما أرادت إعداد ابناءها للحياة السياسية.

إن التعليم المهني حاجة ملحة لخلق آفاق جديدة للعمل... فأكثر من 70% بالمئة من الألمان يتجهون إلى التعليم المهني.

في الخلاصة، التربية هي عنصر أساسي في حضارة الشعوب ورقيها وجودة انتاجيتها، لذلك نرغب أن يتعلم أبناؤنا الاختصاصات التي تسمح لهم بلعمل في لبنان، لأن ​الشباب اللبناني​ هو طاقة قادرة على العطاء والإبداع إذا كانت خياراته صحيحة وإذا تيسرت له الظروف الملائمة.