عادت مسألة النازحين السوريين الى البروز مجدداً، بعد تسارع المعطيات والاحداث التي تشهدها سوريا. وكالعادة، انقسم ال​لبنان​يون حول الموضوع من منطلقات مختلفة منها ما يتعلق بالناحية الانسانية، ومنها ما يرتبط بالناحية العملية لاعادة عدد هائل من النازحين، ولكن الابرز والاهم على الاطلاق هو الناحية السياسية. ليس غريباً ان يشعر رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ وبعض الوزراء بالحرج من طرح موضوع التفاوض مع ​الحكومة السورية​ لايجاد حل للنازحين، ومن مؤيدي هذا الطرح هناك اعتباران: الاول هو الشرخ الكبير الحاصل بين هذه الشريحة من اللبنانيين والنظام السوري، والثاني ان تحييد الامم المتحدة عن الموضوع يعني تحريرها من اي التزام لها في مسألة النازحين وهو امر بالغ الخطورة لان لبنان لا يزال بحاجة الى مثل هذا الالتزام ويسأل عنه المجتمع الدولي بشكل دائم.

في المقابل، يعتبر معارضو هذا الطرح ان السبب الوحيد الذي يقف خلف معارضة البعض للمفاوضة مع سوريا هو الخلاف السعودي-السوري، وان الامور بين لبنان وسوريا لا تزال عادية باعتبار وجود السفارتين بشكل دبلوماسي رسمي والتنسيق الامني القائم، وعدم تبني لبنان اي قرار بالقطيعة مع الدولة العربية القابعة على حدوده.

وبين هذا وذلك، كان لافتاً اتفاق الجميع على امر واحد وهو ان النازحين باتوا بالفعل مشكلة على لبنان من النواحي كافة (الامنية والاجتماعية والحياتية)، وانه يجب مقاربة المسألة من هذا المنظار. وازاء هذا الوضع تم نشر بعض الاخبار عن حلول تنقذ ماء الوجه ومنها ترك المسألة لرئيس الجمهورية لعدم احراج الحكومة، او قيام حزب الله بمبادرة الاتفاق مع الحكومة السورية على ترتيبات معينة تكفل عودة النازحين، او تكليف المدير العام للامن العام اللواء ​عباس ابراهيم​ هذه المهمة. وبين الافكار الثلاثة، تبدو الاخيرة الاكثر قابلية للحياة، لان الرئيس ​ميشال عون​ ليس بوارد احراج نفسه في هذه المسألة وفي هذا الوقت، فالقضية بالغة الاهمية واي هفوة تتخللها سترتد سلباً عليه شخصياً.

في المقابل، ليس من المنطقي ان يأخذ حزب الله مبادرة بهذا الحجم، لانها ستفتح عليه ابواباً كثيرة كمثل انه الغى دور الحكومة والدولة وبات بالفعل دولة بذاته، ويحرج لبنان بتصرفاته امام الامم المتحدة والعالم اجمع، خصوصاً وانه لا يحمل تفويضاً رسمياً من الحكومة للقيام بمثل هذه الخطوة.

اما تكليف اللواء ابراهيم بالمهمة، فهو الاكثر قرباً للمنطق نظراً الى نجاح الوساطات التي كان قام بها في مواضيع عدة (الاسرى اللبنانيين، التنسيق مع امن المخيمات...)، كما ان قربه من الجميع ( مختلف الافرقاء في لبنان، والنظام السوري) يجعلانه قادراً على القيام باللازم في هذا المجال دون القلق من احتمال ارتفاع اصوات معارضة. وهذا الحل يحفظ الصورة الرسمية للموضوع لانه يكون بتفويض لبناني رسمي من جهة، ولن يكون سابقة بعد ان تم الامر على ايام رئيس الحكومة السابق تمام سلام في التفاوض لاعادة الاسرى اللبنانيين من المنظمات الارهابية حيث دخلت اكثر من دولة وجهّة على الخط قبل ان تصل الامور الى خواتيمها، اقله في الشق المتعلق بـ"جبهة النصرة".

ولكن، تبقى بعض الاسئلة التي يجب ان تلقى اجابات واضحة وحاسمة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: هل هناك توافق اقليمي ودولي على هذه العودة، وهل ستكون في المناطق الآمنة التي يتم الحديث عنها؟ وهل ستتم العودة قبل الانتخابات النيابية المقررة في لبنان، وفي حال لم يكن الجواب ايجاباً هل سيكون للنازحين تأثير على هذه الانتخابات؟ وهل ستتحسن الخدمات والاوضاع في لبنان فور خروج النازحين ام ان الامور ستحمل بعض المماطلة والفوضى؟ وهل ستتمكن المنظمات والمجموعات الارهابية من استغلال هذا المسار لنشر عناصرها في المناطق اللبنانية؟.