اطلق وزير الاعلام ​ملحم الرياشي​ موقفاً متقدماً ومميزاً(1) بقوله "من الممكن ان تكون ​بيروت​ مستقبلا عاصمة للحوار السوري-السوري كما هي الاستانة اليوم او ​كازاخستان​ او غيرهما". في الواقع، يعتبر هذا الموقف مستجداً، ف​لبنان​ اعتاد ان يكون ضيفاً على دول عربية وعالمية لعقد حوارات تفضي الى ايجاد حلول لمشاكله السياسية والامنية، وها هو يتحول اليوم الى البلد الوحيد المستقر أمنياً في منطقة ملتهبة تعيش نيران الحروب والارهاب على ارضها.

لطالما تأثر لبنان بجارته الجغرافية الاكبر منه مساحة وعدداً، فتحالف معها ايام مقاومة الاحتلالين العثماني والفرنسي، ثم بعد اتفاق دولي تحول الى السيطرة السوريّة عليه عسكرياً وامنياً وسياسياً. ولكن الامور لم تنته بعد الخروج العسكري السوري من لبنان عام 2005، فانقسام اللبنانيين حيال الموقف تجاه سوريا ظاهر وواضح وهو لا يزال مستمراً حتى اليوم، والامثلة كثيرة بدءا من مشاركة حزب الله في الحرب الدائرة هناك، وصولاً الى كيفية التعاطي مع مسألة النازحين السوريين. اليوم، يبدو الوضع مغايراً فلبنان ينظر الى هذه الدولة العربية وهي تعاني من حروب وتواجد دولي على اراضيها وانقسام بين ابنائها، ومن الطبيعي ان تصل الامور في نهايتها الى جلوس الاطراف على طاولة حوار برعاية عالمية، لاتمام المصالحات وترسيخ ما تم الاتفاق عليه بين الدول الكبرى.

قد تصلح بيروت في المستقبل، لاستضافة طاولات حوار ومفاوضات لحلّ مشاكل دول اقليمية، ولكن ان تستضيف حواراً سورياً-سورياً، فمن المبكر جداً الدخول في هذا الافتراض ولو على المدى الطويل. ولعل قول الوزير الرياشي انه يأمل في ذلك في المستقبل، هو دليل على ان التعاطي مع هذه الفكرة غير مطروح حالياً، اما الاعتبارات التي تدعم ذلك فكثيرة ومنها:

-الانقسام اللبناني من الموقف في سوريا يكاد يوازي الانقسام السوري الحاصل، فأي قرار او مشكلة قد تشهدها المفاوضات على الارض اللبنانية، تهدّد بتحول الخلاف الى الشارع اللبناني، وهو امر من شأنه ان يعود بالاذى ليس فقط على لبنان بل ايضاً على الدول الموجودة في المنطقة.

-ان لبنان معنيّ مباشرة بالازمة السورية، والعلاقات خلال التاريخ المعاصر مع سوريا لم تكن سمناً وعسلاً، وباتت محكومة مع شرائح من المجتمعين اللبناني والسوري بالدم، ما من شأنه تعقيد الامور لان بيروت عندها لن تكون الارضية الصالحة لاستضافة مختلف الاطراف السورية، فمن الاسس المتوافق عليها ان يكون البلد المضيف للحوار بعيداً عن المشكلة وتأثيراتها واجوائها.

-لن يكون بمقدور لبنان، وفق التوقعات، ان يتخلص من تأثيرات ​الحرب السورية​ عليه اقتصادياً واجتماعياً وانمائياً في المدى المنظور، بل سيحتاج الى وقت طويل. ولا يمكن له ان يطمح في المنافسة على دور كبير في اعادة اعمار سوريا، لان الدول المعنية قد اخذت مسبقاً حصة شركاتها من هذه العملية، وسيبقى للبنان حصة متواضعة كما لغيره من الدول.

-لا يمكن للبنان استضافة مثل هذا الحوار في ظل استمرار المواضيع العالقة مع سوريا وفي مقدمها ترسيم الحدود وتحديد المعابر غير الشرعية المخصصة للتهريب، واغلاق ملفات شائكة مثل المخطوفين اللبنانيين.

باختصار، يمكن القول ان لبنان وسوريا يحتاجان الى طاولة مفاوضات لتذليل كل المشاكل بينهما، قبل ان يمكن لبيروت ان تكون مقراً لحوار سوري-سوري في اي وقت في المرحلة اللاحقة. وفي ظل التطورات السورية الجديدة، سيكون من المفيد انتظار ما ستؤول اليه الاوضاع في سوريا لتكون الجهة التي ستتحدث باسم السوريين، قادرة على فتح صفحة جديدة مع دول العالم وفي مقدمها مع الجار الاقرب... لبنان.

(1) جاء هذا الموقف في حديث للوزير ملحم الرياشي ادلى به الى محطة "اكسترا نيوز" المصرية بتاريخ 11/7/2017.