بعدما بدأت ​المحكمة العسكرية​ بإصدار عقوبات مشددة بحق مطلقي النار في الهواء تطبيقاً لقانون الأسلحة والذخائر الجديد 71/2016، بدأت إتصالات السياسيين والنافذين تنهال على هواتف ​القضاة​، بهدف تخفيف هذه الأحكام، ولكن من دون نتيجة، لأن القرار قد اتخذ بالتشدد، وذلك في محاولة للتخفيف من ظاهرة السلاح المتفلت التي باتت تحصد يومياً ضحايا وجرحى، تارةً بسبب نتائج الإمتحانات الرسمية، وتارةً أخرى بسبب مناسبة فرح أو حزن في هذه المنطقة أو تلك.

الكلام عن إتصالات السياسيين، لن يبقى من دون توثيق، واليكم بعض ما يحصل في كواليس المحكمة العسكرية.

أول من أمس، أصدرت المحكمة العسكرية وللمرة الأولى حكمين بالسجن لمدة شهر واحد غير قابلة للإستبدال بغرامة ماليّة، بحق متهمين أطلقا النار في الهواء. واحد من البقاع وآخر من عكار. التشدد في الحكمين المذكورين لم يقتصر فقط على عقوبة السجن، بل شمل أيضاً غرامة مالية بقيمة مليوني ليرة لكل منهما مع تسليم البندقيّة ومنعهما من الإستحصال على رخص سلاح مدى الحياة. تَشَدُد، جعل أحد الوزراء الحاليين يتصل بالمحكمة العسكرية، لتخفيف العقوبة عن واحد من المحكومين الإثنين، كل ذلك لأن مستشار الوزير المذكور هو والد مطلق النار المحكوم بشهر، غير أن الجواب الذي سمعه الوزير جاء جازماً بأن ما كتب قد كتب، خصوصاً أن الموقوف إعترف في التحقيق الأولي وكذلك أمام المحكمة، بإطلاقه النار خلال حفل زفاف، كما أن المحكمة حصلت على فيديو يوثق عملية إطلاقه النار.

حادثة أخرى حصلت في المحكمة العسكرية أخيراً، ولدى أحد قضاة التحقيق، إذ صودف أن الموقوف الذي يستمع القاضي الى إفادته هو من العائلة نفسها التي ينتمي اليها القاضي، وأكثر من ذلك، فالموقوف المستجوب بتهمة ​إطلاق النار​ في الهواء يحمل الإسم عينه الذي يحمله نجل القاضي، لذلك لم يبق أحد من أفراد عائلة القاضي إلا وإتصل بهاتفه الخاص وبمكتبه، غير أن قاضي التحقيق وبعد التأكد من إرتكاب الموقوف لجرم إطلاق النار، طلب توقيفه وإدعى عليه بالمواد القانونية المنصوص عنها في قانون الأسلحة والذخائر.

إذاً إتصالات وتدخلات وضغوطات لم تؤثر حتى اللحظة على سير عمل المحكمة العسكرية، التي تفيد المعلومات بأن ما صدر عنها من أحكام بحق مطلقي النار في الهواء لم يكن إلا البداية، ولائحة المحكومين بعقوبات مشددة بجرم إطلاق النار ستطول في الأيام المقبلة، من دون تردّد أو مسايرة، كل ذلك لأن ظاهرة تفلّت السلاح باتت من الأمور غير المقبولة والخطرة، ولأن القرار بتشديد العقوبات متخذ على أعلى المستويات، ويحظى بالغطاء السياسي اللازم من قبل رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​.

لكل ما تقدم يستطيع رئيس المحكمة العميد حسين العبدالله أن يصدر أحكامه من دون الإستماع الى ما يطلبه متصل من هنا ومتدخل من هناك، وعلى أمل أن يتعمم هذا القرار بالتشدد على المحاكم كافة حفاظاً على إستقلالية القضاء.