في كل احتفال يخص ​الجامعة اللبنانية​، يتسابق المتحدثون الى تعداد "مزايا" الجامعة، فتتكرر كلمة "الجامعة الوطنية" و"جامعة اللبنانيين" مرات ومرات، اذ يشكل هذا الصرح المنتشر في كل مناطق لبنان منزلا متواضعا لجميع الطلاب الذين لا يملكون قطعة أرض يبيعونها لتسديد فواتير صفوف الجامعات الخاصة.

هكذا رُسمت في أذهان طلاب لبنان بأن الجامعة الوطنية تجمعهم تحت سقف العلم والمعرفة، ولكن ما حُكي في الأيام الماضية زعزع هذه القناعة. وفي هذا السياق علمت "النشرة" أن أحد الأقطاب السياسيين طرح فكرة تقسيم الجامعة اللبنانية على غرار جامعة فرنسا، فتصبح جامعة لبنانية 1، جامعة لبنانية 2، الخ.. مشيرا الى أنه لم يعد مقبولا أن يكون في جامعة واحدة أكثر من 70 الف طالب.

تعليقا على هذا الطرح، تقول مصادر مقرّبة من رئيس الجامعة اللبنانية ​فؤاد أيوب​، ان هذه الفكرة ليست وليدة اللحظة، فالمعلومات التي توافرت تشير الى وجود توجه لدى عدد من القوى السياسية لتطبيق مبدأ اللامركزية الادارية على الجامعة اللبنانية بحيث تصبح جامعات ولكل جامعة رئيس ينتمي الى المنطقة التي تتواجد فيها الجامعة. وتضيف المصادر في حديث لـ"النشرة": "لمن لا يعلم فإن مبدأ اللامركزية يطبق في الجامعة اللبنانية، لناحية تعدد العمداء وانتشار الفروع، بحيث تتم المعاملات اليومية المتعلقة بشؤون كل جامعة وطلابها في المبنى المخصص أينما كان، ولكن يبقى للإدارة المركزية إجراء المعاملات ذات الطابع المالي والتطويري واتخاذ القرارات الوطنية التي لها علاقة بملفي التفرّغ والتوظيف".

أما بالنسبة لسيئات طرح التقسيم تقول المصادر: "الجامعة الوطنية تشبه الى حد بعيد مؤسسة ​الجيش اللبناني​ وهما كأكبر مؤسستين موجودتين على الاراضي اللبناني، واذا تحدّثنا عن الجامعة التي تعتبر مكانا للانصهار الوطني والتلاقي، وخصوصا في الكليات غير المشعبة كالطب والاعلام وطب الاسنان والسياحة، فإن تقسيمها يعني تكريس الانقسام الطائفي والمناطقي بهدف الوصول الى الفيدرالية". وترى المصادر ان الحملة التي تتعرض لها الجامعة اللبنانية ورئيسها شبيهة بتلك التي تعرضت لها وزارة المالية عندما قرر الوزير تعيين موظف جديد في منصب كبار المكلّفين، اذ صوّر البعض الامر وكأنه نزع امتياز من طائفة معينة.

وتلفت المصادر النظر الى أن المصطادين في الماء العكر ينتظرون الفرص للهجوم على الجامعة، تماما كما حصل في الساعات الماضية عندما عينت رئاسة الجامعة مديرا جديدا لمعهد العلوم الاجتماعية في البقاع، مشددة على أن رئيس الجامعة احترم كل الآليات المتبعة في عملية التعيين، وهو الامر الذي أكد عليه المدير السابق للمعهد الدكتور هيكل الراعي(1).

وفي نفس السياق تكشف المصادر للمرة الأولى عبر "النشرة" حقيقة ما تناقلته وسائل اعلامية عن قيام رئيس الجامعة بتغيير مدير كلية الحقوق-الشعبة الفرنسية، اذ أشار البعض يومها الى أنه جاء على خلفية "تمرير" عملية غش قامت بها إحدى الطالبات، وتقول: "وصلت الى رئاسة الجامعة وقتذاك وللعميد المختص والمدير المعني رسالة من قبل "الادارة" الفرنسية-البلجيكية المشرفة على الكلية، تعلن بشكل واضح بأنها ستوقف إشرافها بحال بقيت الإدارة في مكانها"، مشيرة الى أن المدير يومها جورج نفاع زار أيوب وطلب إعفاءه من منصبه لأنه لا يريده، وقدّم بعدها استقالة خطية لرئاسة الجامعة، فتم تعيين بديلا عنه".

لا تتوقف الامور عند هذا الحد، بل علمت "النشرة" ان الجامعة اللبنانية تضبط يوميا عمليات فساد بمئات آلاف الدولارات، وهذا ما دفع بالمتضررين من هذا الأمر لتوجيه سهام الإعتداء على الجامعة.

لا يجوز بعد كل هذا التطور الفكري الذي وصل اليه العالم، أن يكون في لبنان من يريد إعادة عقارب الساعة الى الوراء، كذلك لا يجوز في العام 2017 وبظل عهد رئاسي قائم على التغيير والإصلاح أن يرسل "أستاذا" في الجامعة اللبنانية رسالة الى رئيس الجمهورية ​ميشال عون​، موضوعها "السماح بتوظيف المواطن المسلم في وطنه وفق الكفاءة حيث لا نستطيع اجتراح التوازن، وهو ما ينطبق على المسيحي أيضا". فهل يوجد من يخطط لبدء زمن الفيدرالية؟.

(1) أصدر الدكتور هيكل الراعي بيانا توضيحيا حول قضية تعيين الدكتور عبدالله السيد مديراً لمعهد العلوم الاجتماعية-الفرع الرابع، شارحاً فيه لكل الذين أصدروا مواقف وسجلوا اعتراضات حول تعيين السيد ان هذه المواقف نابعة من الطائفية والنفاق. فالمعترضون اعتبروا ان تعيين السيّد هو اخلال بالتوازن الوطني والغاء للعيش المشترك، لكن الراعي أكد على ان ما هذا الا اصطياد في الماء العكر.

فمن شروط المرشح لتولي المنصب ان يكون برتبة استاذ او برتبة استاذ مساعد. وأوضح الراعي في بيانه انه شخصيا طلب من الاساتذة المسيحيين الحائزين شروط التعيين ان يتقدموا بطلبات ترشيحهم لكن البعض رفض ذلك لأسباب شخصية. وبعد ان تقدم المرشحون بطلباتهم، إجتمع مجلس الوحدة برئاسة عميدة المعهد لدراسة الطلبات، تم -بالاجماع- رفع الطلبات الاربعة الى رئيس الجامعة لاتخاذ القرار المناسب. وكان من هذه الطلبات الاربعة: اثنان من ​الطائفة السنية​ تتوفر فيهما الشروط، واثنان مسيحيان (ماروني وأرثوذكسي) لا تتوفر فيهما الشروط. واستنادا لكل ما سبق، استبعد رئيس الجامعة الطلبات غير الحائزة على الشروط، وقام باختيار المدير الجديد .وختم الراعي بيانه باستنكار كل ما حصل من طائفية وحقد وجهل، وتمنى على الجميع تحييد الجامعة اللبنانية وابعادها عن الصراعات والنزاعات الطائفية. مؤكدا على ان اي قرار يصدر عن رئيس الجامعة يكون بعد موافقة مجلس الفرع الذي يضم كل الطوائف والمذاهب.