في وقت يعيش فيه لبنان موجة الانتخابات النيابية وحمّى اجرائها او التشكيك بحصولها في ظل قانون انتخاب جديد ابصر النور رسمياً وبقي غريباً عن الناس اعلامياً، يشهد شهر تموز الحالي انتخابات ايضاً انما في اطار مختلف كلياً، وهي انتخابات دينية تتعلق بالرهبنة الانطونية. ويتجه اعضاء هذه الرهبنة الى الاقتراع لانتخاب رئيس عام ومدبّرين يتولون ادارة الشؤون العامة حتى الموعد المقبل للانتخابات بعد ست سنوات.

اذاً، في التاسع والعشرين من الشهر الحالي، سيتم الاعلان عن الرئيس العام للرهبنة ومجلس مدبّرين يتسلّم المهام التي ستناط به، بعد ان يغادر الاباتي رعيدي منصبه الذي تسلمه في تموز من العام 2011. وعلى غرار كل انتخابات، يبدو ان المسألة باتت محصورة بثلاثة اسماء، وفق مصادر متابعة لهذه الانتخابات، وهي: ​الاباتي انطوان راجح​، الاب جورج صدقة، والاب ميشال جلخ، وعلى الهيئة الناخبة ان تمحض ثقتها لاحدهم كرئيس مع مدبرين له. مع الاشارة الى ان الاب جوزف عبد الساتر لم يدخل "المعركة الانتخابية" بشكل رسمي، وهو قد يحصد بعض الاصوات التي تتصارع الاسماء الثلاثة المذكورة آنفاً على عدم التفريط بها. وتشير المصادر الى انه حالياً، ينقسم الرهبان بين هذه الاسماء الثلاثة ولكل منهم مكانته عند شريحة منهم، الا انه في النهاية سيكون احدهم رئيساً، لانه رغم الانقسام الواضح فليس هناك من مؤشر لاعادة انتخاب الاباتي رعيدي رغم ما ينقل عن قريبين منه انه ينوي الترشح مجدداً للرئاسة والبقاء في منصبه الذي تسلمه العام 2011. وتضيف المصادر ان هناك "عدم قبول" في الرهبنة بما يحصل داخلها حالياً وما يتخذ من قرارات بعيدة عن الروحية التي عُرفت بها الرهبنة الانطونية منذ تأسيسها، وان هذا الامر فرض انقساماً واضحاً حول الاسماء الثلاثة، انما اتفاق على عدم السماح بأي امكانية لاعطاء الامل للاباتي رعيدي للتجديد.

واذا طويت صفحة الاباتي رعيدي، فستفتح صفحة اخرى ولكن الاختيار لن يكون سهلاً والمعركة ستكون شرسة، لان المتنافسين الثلاثة معروفون، ومنهم اثنان من مجلس المدبرين الحالي هما الاباتي راجح والاب صدقة، اما الاب جلخ فهو وجه اعلامي ايضاً كونه يشغل منصب الامين العام لمجلس كنائس الشرق الاوسط، وهذا الامر قد يعوّض له عن غيابه عن مجلس المدبّرين الحالي لانه نجح في نسج شبكة علاقات قوية ومتينة مع باقي الكنائس المشرقية.

في المقابل، تضيف المصادر، فإن الاب صدقة وهو رئيس المعهد الانطوني، ويملك علاقات طيبة داخل الرهبنة ومع رهبانيات اخرى تتعاطى الشأن التربوي والثقافي، كما انه تمكن من الحفاظ على مسافة واحدة من الاحزاب والتيارات السياسية الّتي تتعاطى الشأن التربوي، ولو ان الرهبنة بشكل عام معروفة بتعاطفها مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ولكنها دائماً ما دعمت شخص رئيس الجمهورية على مرّ السنين.

وقد يكون الاب راجح الوحيد بين المتنافسين الذي يحمل رتبة "الاباتية"، وكان حصل عليها بقرار من البطريرك الماروني بشكل تكريمي اي دون صلاحيات ترافقها، وذلك لانه "أعطى كثيراً كراهب وأكاديمي وقاض"، وبالتالي فهو قد لفت الانظار والاهتمام. وتكشف المصادر ان الفاتيكان الذي لا يرغب في التدخل في الانتخابات لثقته بالرهبان الانطونيين، لا يخفي تعاطفه مع الاباتي راجح وبالتالي اذا كان لا بد من الحسم عند اللزوم، فإن روما سترحب بوصوله الى الرئاسة العامة، كما تقول المصادر نفسها. وقد يكون ما يحمله الاباتي راجح من دراسات عديدة وخبرات في المناصب الرهبانية وكونه قاض في المحكمة الروحية ايضاً، ساعده في الوصول الى حدود ابعد من الرهبنة الانطونية...

اقترب موعد الانتخابات، واقتربت الحماوة الانتخابية ايضاً، وفي ظل الكثير من الغموض والشكوك حول ما ستؤول اليه النتيجة، يبقى الثابت في المسألة ان الرئيس العام المقبل لن يشذ عن القاعدة المتبعة وهي البقاء سياسياً على تأييد رئيس الجمهورية، والحفاظ روحياً على المسار الذي تتبعه الرهبنة والذي جنّبها الوقوع في مشاكل لا يمكن السيطرة عليها، والاستمرار تربوياً على النمط نفسه الذي سمح بتوسيع الخيارات العلمية والتربوية للطلاب.