في 19 آذار عام 1978 قرر مجلس الامن الدولي إنشاء قوة ​الأمم المتحدة​ الموقتة في ​لبنان​ المعروفة بـ"​اليونيفيل​"، ووصلت طلائع القوات الى منطقة الجنوب يوم 23 من الشهر نفسه، ولا زالت موجودة حتى اليوم، كقوة حفظ سلام على الحدود اللبنانية الجنوبية، رغم عدم قدرتها على تنفيذ ما أوكل اليها يومها.

بعد حرب تموز عام 2006 قرر مجلس الامن زيادة عديد قوات اليونيفيل ومدّد ولايتها حتى نهاية شهر آب من العام 2007، وتكرر تمديد الولاية حتى يومنا الحالي، اذ ينتظر لبنان استحقاقا بهذا الشأن في نهاية آب المقبل، ولكن ما الذي تغير هذا العام؟.

تكشف مصادر ​وزارة الخارجية والمغتربين​ أن لبنان واجه تحديات متنوعة على مدى السنوات الماضية عند كل استحقاق لتمديد ولاية اليونيفيل، الا ان الأبرز هذا العام يكمن في تحديين اثنين، الأول هو تحدٍّ مادي، والثاني سياسي. وتضيف المصادر عبر "النشرة": "قررت الولايات المتحدة الأميركية تقليص نسبة مساهمتها المالية في الأمم المتحدة وفي مهمات قوات حفظ السلام في العالم، الأمر الذي انعكس سريعا على المناقشات التي جرت في اللجنة المعنية بدراسة موازنات قوات حفظ السلام المنتشرة في دول كثيرة ومنها لبنان"، مشيرة الى أن التحدي الثاني كان بنية عدد من الدول تعديل مهمة "اليونيفيل" تفعيل "الفصل السابع" الذي يتيح استخدام القوة العسكرية، ومطالبة اليونيفيل بتجريد "المقاومة" من سلاحها، وتمكينها من تسيير دوريات عسكرية مؤللة.

بعد هذه الطروحات التفجيرية بادرت وزارة الخارجية اللبنانية بالتنسيق مع القوى السياسية الفاعلة وعلى رأسها رئيس الجمهورية ميشال عون، لخوض "معركة" الإبقاء على الموازنة الحالية البالغة حوالي 487 مليون دولار، والحفاظ على دور اليونيفيل الحالي. وتقول المصادر: "أرسل وزير الخارجية جبران باسيل كتابا للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، والدول الممولة لعمليات حفظ السلام، والدول المشاركة في عديد اليونيفيل، وتحديدا القوات البحرية التي أرادوا الحد من وجودها لتخفيض الميزانية، وأبلغهم بأن لبنان لا يحبذ المس بالموازنة لأن عمل اليونيفيل اساسي بالاستقرار الامني اولا، وبالمجال الاجتماعي والمساعدات للقرى اللبنانية ثانيا، مشددا على أن اليونيفيل تلعب دورا مثاليا مقارنة بقوات حفظ السلام في العالم، طالبا كذلك عدم تعديل "مهمة" اليونيفيل كي لا يؤثر التعديل على استقرار الجنوب وأمنه".

وبالتزامن مع هذا الكتاب لعبت بعثة لبنان في الأمم المتحدة دورا رياديا بمتابعة الملف بناء لتوجيهات الوزير المختص، فالتقت المعنيين، ونقلت أصداء "الكتاب" الايجابية لدى الدول المعنية، وكانت النتيجة بعد انتهاء عمل اللجنة المكلفة وضع موازنات قوات حفظ السلام، الإبقاء على "مهمة" اليونيفيل كما كانت، وتخفيض ما مجموعه 5 ملايين دولار فقط من الموازنة البالغة 487 مليون دولار. وتكشف المصادر ان اللجنة قررت "إنهاء" عدد من مهمات حفظ سلام في العالم وتحديدا في الدول الأفريقية، كما خفضت موازنات قسم كبير منها، وهذا ما يجعل القرار المتخذ بشأن لبنان "انجازا" و"انتصارا" للدبلوماسية اللبنانية.

بعد أن أكد وزير الخارجية الاميركي ريك تيليرسون في رده على "كتاب" باسيل(1)، على اهمية اليونيفيل والدور الذي تلعبه، وتشديده على وقوف الولايات المتحدة الأميركية الى جانب لبنان للحفاظ على استقراره، وتوالي الإشارات المؤيدة للموقف اللبناني، أرسلت وزارة الخارجية اللبنانية للأمم المتحدة الطلب الدوري العادي لتمديد عمل "اليونيفيل" سنة اضافية في عملية تصويت تتم داخل الامم المتحدة في شهر آب، فهل تشهد الأيام التي تسبق التصويت مزيدا من الضغوطات على لبنان؟.

(1) مما جاء في كتاب وزير الخاجية جبران باسيل الى نظيره الأميركي ريك تيليرسون:

أؤكد التزام لبنان الكامل بالقرار 1701 بكامله، وأن قوات اليونيفيل تلعب دورها في تأمين الاستقرار في لبنان والمنطقة، وهذ القوات تعتبر قدوة لقوات حفظ السلام الاخرى المنتشرة في انحاء العالم. أن لبنان يرفض أن يتم الاقتطاع من الميزانية السنوية لهذه القوات، ويعتبر ان قوات اليونيفيل هي قصة نجاح وأنها غرست قيم السلام والتعاون في المنطقة، ولذلك نعتبر ان اي اقتطاع من ميزانيتها سيكون له انعكاسا سلبيا على فعاليتها، وسيؤثر على عملها في نطاق تواجدها مما قد يعرض الامن والاستقرار في لبنان والمنطقة للخطر. لذلك أنا على ثقة أن بلادكم سوف تدعم المطالب اللبنانية.

وردّ تيليرسون على كتاب باسيل:

إن الولايات المتحدة ستبقى شريكا قويا للبنان، وهي مهتمة بأن تبقى قوات اليونفيل قادرة على القيام بمهامها، و أن تلعب دورا في الحفاظ على الامن والاستقرار في جنوب لبنان. ونؤمن أن قوات حفظ السلام هي اداة اساسية لمواجهة التحديات العالمية المتعلقة بالأمن، ولكن يجب أن نشير الى أن المهام التي تقوم بها هذه القوات مكلفة، وخلال المفاوضات دققنا في طلبات الامين العام لجميع قوات حفظ السلام لعام 2017-2018، ومن ضمنها اليونيفيل، ونحن اقترحنا تعديلات نعتقد انها ستنعكس على الاوضاع على الارض وعلى فعالية عمل القوات. وبمطالبتنا بانضباط مالي اكبر، نشجع الامم المتحدة باعادة النظر في مهمات قوات حفظ السلام وكيفية تطبيقها وجعلها اكثر فعالية وتاثيرا، ونؤكد التزامنا ان التخفيضات التي ستحصل، ستكون مسؤولة وستحافظ على مهمات قوات اليونيفيل.