– يقول بنيامين نتنياهو مرة إنّ الاتفاق الأميركي الروسي حول وقف النار في جنوب سورية كان حصيلة مساعٍ لعبت «إسرائيل» دوراً فيها. ثم يقول في مكان آخر إنّ «إسرائيل» غير موافقة على التفاهم الروسي الأميركي، لأنها لا تملك الضمانات الكافية بعدم وصول حزب الله والإيرانيين إلى الحدود. والموقف «الإسرائيلي» هنا يشبه الموقف «الإسرائيلي» من القرار 1701، الذي شبّهه أكاديميون «إسرائيليون» في ندوة لصحيفة «معاريف» قبل يومين بالتفاهم الروسي الأميركي حول جنوب سورية، فقالوا إنّ القرار الذي جاء عقب حرب تموز 2006 يشبه الاتفاق الروسي الأميركي في ثلاثة أشياء، أولها أنهما يمنحان «إسرائيل» وعوداً مخادعة تحتاجها لإبعاد حزب الله عن الحدود، وثانيها أنهما يوقفان حرباً «إسرائيلية» فاشلة لا أفق لوقفها بطريقة أخرى، وثالثها أنهما يمنعان الاحتكاك بين «إسرائيل» وحزب الله ما يمنع توليد الشرارة التي تتحوّل حرباً لا تريدها «إسرائيل».

– الشكوى «الإسرائيلية» من التفاهم الأميركي الروسي هي دلع لرفع السقف أملاً بتحصيل المزيد، بعدما تنبّه «الإسرائيليون» إلى أنّ القبول المجاني بالتفاهم هو خطوة متسرّعة ناتجة عن القلق من استمرار الوضع على ما هو عليه، وطالما أنّ التفاهم قائم فلمَ لا ترفع «إسرائيل» صوتها عساها تحصل على المزيد؟ لكن «إسرائيل» تعلم أنها خاضت حرباً فاشلة على الحدود مع سورية، وأنّ رهاناتها قد خابت، وأنّ الحزام الأمني الذي سعت إليه تهاوى وتستحيل حمايته، كما حدث مع حزامها الأمني جنوب لبنان من قبل. وتعلم أنّ بقاء الفوضى في سورية أو سيطرة داعش لم تعد خيارات واقعية، وأنّ الخيار هو بين تقدّم الجيش السوري مصحوباً بحزب الله ضمن عمل عسكري، أو تطبيق التفاهم الذي يدعو لتسليم الجيش السوري طوعاً خطوط الحدود.

– لم تعد «إسرائيل» هي الدولة القادرة على شنّ حرب، بل صارت الدولة التي تخشى شنّ حرب. فالقبة الحديدية فشلت فشلاً ذريعاً، وحزب الله صار يمتلك باعتراف المخابرات «الإسرائيلية» قدرة صاروخية لا تصدّها أيّ إجراءات دفاعية. وهي قدرة كمّاً ونوعاً ودقة وقدرة تدميرية فوق طاقة «إسرائيل» على تخيّلها، وتخيّل نتائجها. وفي المقابل صار لدى حزب الله ما يسمح بصدّ الطيران «الإسرائيلي»، كما يقول «الإسرائيليون»، وبالتالي الحدّ من قدرة التدمير «الإسرائيلية». وتأخذ «إسرائيل» على محمل الجدّ تهديدات حزب الله باختراق بري يطال مستعمرات الجليل في أيّ حرب مقبلة، واستهداف أسلحة الدمار الشامل الكيميائية والنووية ما يتسبّب بكارثة لـ»إسرائيل». كما تنتبه «إسرائيل» لمعنى كلام السيد حسن نصرالله عن مئات الآلاف من المقاتلين، وصلته بانضمام الحشد الشعبي العراقي وأنصار الله اليمنيين لحسابات حزب الله المستقبلية في خطة أيّ حرب، في صورة تعكس الموارد الديمغرافية المفتوحة أمامه والمغلقة أمامها.

– «إسرائيل» تضحك في سرّها لبلوغ التفاهم الروسي الأميركي، وتتمنّى تتويجه بقرار عن مجلس الأمن الدولي يشبه القرار 1701 ويفرض نشر مراقبين روس على خط فصل الاشتباك القائم منذ العام 1974 والذي أزالته «إسرائيل» برهان غبّي على ما ظنّته «ثورة سورية صديقة ستنتصر». وهي تتمنّى اليوم رؤيته يعود بضمانة روسية.