يكاد يكون إقرار سلسلة الرتب والرواتب أخيرًا من قبل ​مجلس النواب اللبناني​، وبعد طول انتظار، "نسخة طبق الأصل" عن إقرار ​قانون الانتخاب​ من قبل المجلس نفسه قبل شهرٍ.

فإذا كان قانون الانتخاب استغرق ثماني سنواتٍ من "ممثلي الشعب" قبل أن يرسو على "تسوية رضائية" لم يكن من الصعب التوافق عليها منذ اليوم الأول، فإنّ "السلسلة" بقيت "تصارع" لأكثر من أربع سنواتٍ لم تقابَل فيها من السلطة سوى بالمماطلة واللفّ والدوران والتمييع.

وفيما خرج النواب، في الحالتين، عاجزين عن "استيعاب" ما أقرّوه بأنفسهم، لبست "الخاتمة" في الحالتين أيضًا لبوس "الانتصار" لمختلف مكوّنات السلطة، التي سارع كلّ فريقٍ منها، في مفارقةٍ باتت معتادة، لنسب "الإنجاز" الذي تحقّق لنفسه، عبر الإيحاء بأنّه صاحب "الفضل الأوحد" فيه...

رشوة انتخابية؟

ليست صدفةً أن ينكبّ مجلس النواب اللبناني، شبه العاطل عن العمل منذ انتخابه قبل ثماني سنواتٍ، على العمل فجأةً بعد شهرٍ واحدٍ من افتتاح "الموسم الانتخابي"، الذي أطلقه إقرار قانونٍ انتخابي جديد قبل شهرٍ واحدٍ، فيقرّ سلسلة الرتب والرواتب، التي بُحّت بعض الأصوات لكثرة ما صدحت في الشوارع والساحات، وهي تطالب بها على مدى سنواتٍ طويلة.

وليست صدفةً أيضًا أن تقرّ السلسلة بعد "إبعاد" وجوهٍ نقابيّة ارتبطت بها لا إراديًا عن المشهد، بدءاً من حنّا غريب (هيئة التنسيق النقابية) إلى ​نعمة محفوض​ (نقابة المعلمين في المدارس الخاصة)، وهما اللذان تكتّلت الكتل السياسية ضدّهما، قافزة فوق خلافاتها وتناقضاتها في سبيل تحقيق الهدف "السامي" القاضي بالإطاحة بالرجلين، وكأنّ السلطة السياسية تريد احتكار "الفضل" في إقرار السلسلة، من دون أن يقاسمها في ذلك أحد من خارجها.

لكلّ هذه الأسباب مجتمعةً، بدا إقرار السلسلة في هذا التوقيت بالذات أقرب إلى "الرشوة الانتخابية" بنظر كثيرين، ممّن تساءلوا عمّا إذا كان "الوحي" قد هبط فجأة على "رموز"

السلطة، وجعلهم يوافقون على السلسلة، بعدما كان بعضهم يستميت في معارضتها، بذرائع يبدو وكأنّها سقطت بين ليلةٍ وضُحاها، تمامًا كما حصل في ملفّ قانون الانتخاب، حيث بقي مبدأ النسبية مرفوضًا بالمُطلق من قبل قوى سياسيّة وازنة، ليصبح مقبولاً فجأة في ربع الساعة الأخير.

ومن هذا المنطلق، لا يمكن فصل إقرار السلسلة اليوم عن قانون الانتخاب الجديد الذي تمّ إقراره، والمعادلات الجديدة التي أفرزها على أكثر من صعيد، خصوصًا لجهة التعقيدات التي حملها، لا سيما لناحية الصوت التفضيلي، ما جعل الكثيرين يخافون على مقاعدهم، وبالتالي فإنّ وقوفهم ضدّ السلسلة قد يُعتبَر "دعسة ناقصة" أمام الرأي العام ليس الوقت مناسباً للمخاطرة بها بأيّ شكلٍ من الأشكال.

إنجاز... ولكن

ولعلّ ما يضاعف من صوابية النظر إلى إقرار سلسلة الرتب والرواتب كسلاح انتخابي في عيون مكوّنات الطبقة السياسية هو دخول "الإنجاز" الذي تحقّق في البازار السياسي من بابه العريض، سواء بين قوى السلطة أنفسها، أو بينها وبين قوى المعارضة، على قلّتها، وسط ما يمكن وصفه بالصراع على "تبنّيها" لتحصيل أكبر قدر ممكن من المكتسبات السياسية والانتخابية بطبيعة الحال.

هكذا، لم يتردّد مثلاً فريق "​حزب الله​" و"حركة أمل" و"التيار الوطني الحر" في تصوير ما حصل وكأنّه "انتصارٌ شخصيّ"، تمامًا كما حصل في قانون الانتخاب، حيث قيل أنّ هذا الفريق طرح النسبية منذ اليوم الأول وبقي مصراً على مطلبه، حتى انصاع الفريق الآخر ووافق على ما كان محظوراً في أدبيّاته. وعلى المنوال نفسه، سار الأمر في السلسلة، التي لطالما أيّدها هذا الفريق، وعارضها أخرون، وعلى رأسهم "​تيار المستقبل​"، علمًا أنّ رئيس "​كتلة المستقبل​" ​فؤاد السنيورة​ بقي حتى اللحظة الأخيرة يغرّد خارج السرب، وهو حذر من قلب جلسة ​المجلس النيابي​ ممّا أسماه "الانزلاق" الذي بدأ مع إقرار "السلسلة".

ولا تبدو المعارضة "بريئة" في المقابل من تهمة توظيف السلسلة لتحصيل المكتسبات، فرئيس حزب "الكتائب" ​سامي الجميل​ مثلاً عرف كيف يلعب على "الوتر الحسّاس" للمواطنين، ألا وهو "​الضرائب​"، بما ينسجم مع الخط الذي انتهجه مؤخرًا لجهة الوقوف إلى جانب الشعب ومطالبه. ولعلّ هذا الأمر بالتحديد هو ما برز أيضًا من خلال بعض "السجالات" التي أحاطت بجلسة المجلس النيابي، وحاول من خلالها بعض النواب "المزايدة" على بعضهم البعض في موضوع رفض فرض الضرائب على الفقراء أو أصحاب الدخل المحدود.

وبين هذا وذاك، تبقى نقطة أساسية تتعلق بالمخاوف من مرحلة ما بعد إقرار السلسلة، وهو ما ينطبق أيضًا على موضوع قانون الانتخاب. ففي حين لا تزال بعض القوى السياسية تغمز من قناة إمكانية عدم إجراء الانتخابات في شهر أيار المقبل بموجب قانون الانتخاب الجديد بذرائع من هنا أو من هنالك، تصرّ بعض القوى على أنّ السلسلة التي أقرّت قد لا تكون أكثر من "شيك على بياض"، باعتبار أنّ تطبيقها قد يصطدم بالكثير من العوائق، بانتظار معالجة أمر الواردات وغيرها.

رافعة انتخابية...

تمامًا كما أقرّ قانون الانتخاب من دون أن يفهمه من أقرّوه، وبعضهم بدأ يتلو فعل الندامة، أقرّت سلسلة الرتب والرواتب من دون أن يعرف أحد كيف بات شكلها النهائي، وما هي التشوّهات التي تعرّضت لها، وعلى ماذا رست في نهاية المطاف.

أصلاً، كلّ هذه التفاصيل قد لا تحظى بأيّ قدرٍ من الأهمية بالنسبة لمن أقرّوها، ورأوا فيها مجرّد رافعة انتخابية ليس إلا، في موسمٍ لا يحرصون فيه على شيء بقدر ما يحرصون على تعزيز أسهمهم الانتخابية والشعبية، ولو بالحدّ الأدنى...