قد يكون من الاستثناءات أن نشهد وانطلاقا من جرود ​عرسال​ تقاطعا في المصالح بين واشنطن و​حزب الله​ الخصمين اللدودين المختلفين على كل شيء، ولكنّهما على ما يبدو يتفقان اليوم على وجوب انهاء الحالة الشاذة عند الحدود الشرقية ل​لبنان​. فطرد المجموعات ​الارهاب​ية المسلحة من الجرود أولويّة بالمرحلة الراهنة لحزب الله الذي بات يتعاطى معها كشوكة في خاصرته آن أوان انتزاعها مهما كانت الآلام التي سترافق العملية والمخاطر المحدقة بها. كذلك الأمر بالنسبة لواشنطن التي لم تخف في يوم من الايام اهتمامها الكبير بالوضع الأمني عند الحدود الشرقية للبنان، والتي تحولت في الفترة الماضية وجهة أساسية للقادة العسكريين الأميركيين المتواجدين في المنطقة. فمع سقوط ​الموصل​ العراقية واقتراب سقوط عاصمة ومعقل تنظيم "داعش" الارهابي في مدينة الرقّة في الشمال السوري، وانطلاق التحضيرات للانقضاض على محافظة ​دير الزور​ التي اتخذها عاصمة بديلة، تتجه الأنظار الى المواقع التي قد يلجأ "داعش" للاحتماء فيها بعدما بات محسوما أمر انهيار "حلم دولته ونيته التوسعية". هو اليوم يبحث عن مناطق تؤمن له فقط القدرة على لمّ شمل ما تبقى من عناصره والاستعداد الى مرحلة جديدة من المواجهة لن تكون اقل خطورة عمّا هي عليه اليوم.

ويسعى ​التحالف الدولي​ لمكافحة الارهاب الذي تتزعمه ​الولايات المتحدة الاميركية​ كما القوى الأخرى التي تتولى محاربة "داعش"، الى استشراف الحيل الجديدة التي قد يلجأ اليها التنظيم للانتقام والأسلوب الذي سينتهجه بعد انهيار مشروعه السابق. لذلك تنكب الاهتمامات حاليا على تحديد المواقع التي سيلجأ اليها التنظيم الارهابي بعد سقوط دير الزور. وتُعتبر منطقة ​القلمون​ السورية كما الجرود اللبنانية، بحسب مصادر معنية بالملف، احدى الوجهات التي من المحتمل ان يعتمدها على ان يتسرب اليها عناصره على شكل مجموعات صغيرة، ترفع عدد المسلحين المتواجدين داخل الاراضي اللبنانية من 2000 الى حوالي 5000. وقد اتخذت قيادة حزب الله قرارها بوجوب قطع الطريق على هذه العناصر المرجّح ان تتوافد الى المنطقة من خلال انهاء وجود التنظيم ككل في المنطقة، إضافة الى أيّ وجود مسلح على ان تبدأ المعركة بوجه "​جبهة النصرة​" لتتوسع بعدها لتشمل "داعش". وبحسب المعطيات، فان واشنطن وان كانت لا ترحّب بخوض حزب الله المعركة وتفضل ان يقوم ​الجيش اللبناني​ بالمهمّة، الا انّها بالوقت عينه لا تمانع تولّي الحزب الموضوع ان كان سيؤدي للنتيجة المرجوة بتطهير المنطقة من المجموعات الارهابية، التي، تتخوف الولايات المتحدة الاميركية من ان تشكل ​جرود عرسال​ في مرحلة مقبلة ممرا لها من ​سوريا​ والعراق الى البحر الابيض المتوسط، باطار وجهتها الى دول ​اوروبا​ واميركا للانتقام مما حل بمشروعها في المنطقة.

ولعلّ المواجهات التي اندلعت قبل يومين في ادلب بين "جبهة النصرة" وحركة "أحرار الشام" من شأنها ان تسرّع في معركة تحجيم دور التنظيمين الارهابيين النصرة وداعش وتضغط عليهما أكثر لتقديم التنازلات اللازمة ان امكن لحل ملف الجرود سلميا، وان كان هذا الاحتمال يتراجع مع مرور الأيام وبخاصة بعد دعوة رئيس ​بلدية عرسال​ ​باسل الحجيري​ اللاجئين السوريين لالتزام بيوتهم وخيمهم في حال استجدّ اي طارىء، وتأكيده أن أهل عرسال يقفون الى جانب قيادة الجيش في اي قرار تتخذه.

وبانتظار ان تحسم القيادتان السياسية والعسكرية في لبنان أمرهما بما يتعلق بتوكيل الجيش بمهمة تطهير الجرود، يبدو أن حزب الله لن ينتظر طويلا بعد وهو بات يتحدث عن مهلة تنتهي خلال أسبوعين او 3. فهل اقترب لبنان من موعد تحرير بلدة عرسال وتنظيفها من الارهاب والارهابيين والمتعاونين معهم.