لم يعد السفر إلى الخارج محصورًا بالطبقة الثريّة كما كان الأمر عليه في السابق، حيث صار بإمكان الفئة المُتواضعة ماديًا، وبطبيعة الحال الفئة المتوسّطة الدخل، التمتّع برحلة ترفيهيّة خارج البلاد، بكلفة مقبولة جدًّا. وخيارات ال​لبنان​يّين في هذا المجال واسعة بعكس ما يظنّ الكثيرون.

بداية، لا بُد من التذكير أنّ مُغادرة الأراضي اللبنانيّة يتطلّب جواز سفر صالحًا لمدّة لا تقلّ عن ستة أشهر، وعلى الرغم من أنّ ​جواز السفر​ اللبناني يحتلّ حاليًا المرتبة 89 عالميًا وهذا ليس بالأمر الجيّد، وعلى الرغم من أنّ العديد من الدول الأوروبيّة والغربيّة تفرض شروطًا مسبقة للإستحصال على سمة دخول إلى أراضيها للبنانيّين وتدرس ملفّاتهم لمدة يُمكن أن تصل إلى ثلاثة أسابيع، بإمكان المواطن اللبناني السفر إلى 38 دولة حول العالم من دون عقبات تُذكر، إمّا من دون تأشيرة، وإمّا عبر الإستحصال على إذن الدخول بشكل فوري بمجرّد أن تطأ قدمه أراضي هذه الدول. وما يهمّنا من هذه اللائحة هو الدول التي تتمتّع بالحد الأدنى من الحركة السياحيّة، ومنها مجموعة من الدول القريبة جغرافيًا إلى لبنان، مثل ​الأردن​ و​تركيا​، وكذلك رمينتيا ​أرمينيا​ و​جورجيا​، العضو السابق في الإتحاد السوفياتي قبل تفكّكه، والتي صارت وجهة سياحيّة مقصودة إنطلاقًا من لبنان. ويُمكن أيضًا زيارة دول سياحيّة بعيدة عن لبنان، من دون الخشية من عقبات الإستحصال على "فيزا"، ونذكر منها ​سيريلانكا​ التي تتمتّع بطبيعة خلابة، و​تايلاند​ا و​ماليزيا​، وجزر المالديف والسيشيل والدومينيكيان وموريشيوس، إلخ.

وبالنسبة إلى الدول الأقرب إلى لبنان، والتي يُمكن الوصول إليها ببطاقة سفر زهيدة نسبيًا تتراوح كلفتها ما بين 200 و400 دولار أميركي بمعدّل عام، حسب توقيت الرحلة وتاريخ الحجز، نذكر الأردن وتركيا وقبرص ومصر وجورجيا وبلغاريا وغيرها، وفي حال رفع المبلغ قليلاً يُمكن الوصول إلى اليونان وحتى إلى كرواتيا غيرها من الدول. وتُعتبر قبرص الوجهة السياحيّة الأقرب إلى بيروت حيث تكفي 20 دقيقة في الجوّ للإنتقال إلى أجواء مختلفة تمامًا، ما يعني أنّ بطاقة السفر إلى هناك هي من بين الأرخص على الإطلاق، لكنّ الإستحصال على تأشيرة دخول يستوجب تقديم مجموعة من المُستندات وتلبية بعض الشروط، علمًا أنّ كلفة الإقامة في قبرص التي تعتمد العملة الأوروبيّة الموحّدة EURO في تعاملاتها (باستثناء الجزء الّذي تُسيطر عليه تركيا من الجزيرة) مرتفعة نسبيًا، وشبيهة بكلفة الإستجمام في كثير من الدول الأوروبيّة. كما تُعتبر مصر، ومثلاً منطقة "شرم الشيخ" فيها، من الوجهات السياحيّة السهلة للبنانيّين، وبكلفة مقبولة، لكن أشهر الصيف حارة جدًا في مصر، ما يستوجب توقيت الرحلة خارج هذا الفصل للإستفادة من أفضل أجواء طبيعيّة.

ويُمكن التوجّه إلى تركيا برحلات قصيرة نسبيًا، وزهيدة الثمن أيضًا، وخاصة من دون أي "فيزا"، علمًا أنّ العملة التركية ليست في أفضل أحوالها حاليًا، ما يمنح المُسافر اللبناني قدرة شرائيّة عالية حيث يُساوي كل مئة دولار أميركي أكثر من 350 ليرة تركيّة. ويُمكن بالتالي الإستمتاع برحلة سياحية لمدّة أسبوع كامل مدفوع المصاريف سلفًا، في مقابل أقلّ من ألف دولار أميركي، في حال عدم إختيار أفضل خيارات الفنادق المُتاحة. وقد بدأت شركات السفر اللبنانيّة أخيرًا بتنظيم رحلات سياحيّة إلى جورجيا، مع إمكان زيارة أرمينيا خلال الرحلة نفسها، ودائمًا بأسعار مدروسة تقلّ عن ألف دولار أميركي، وتشمل بطاقة السفر ذهابًا وإيابًا، وضرائب المطارات، والإقامة في فندق بتقييم من 4 إلى 5 نجوم، والمأكل والمشرب بشكل جزئي أو حتى كامل في بعض الفنادق، والتنقلات برفقة مُرشد سياحي ورسوم الدخول إلى العديد من المراكز والأماكن السياحيّة.

وهنا من الضروري التنبيه إلى أنّ الكثير من الإعلانات تتحدّث عن رحلات إلى بعض الدول القريبة جغرافيًا من لبنان، بمبالغ زهيدة جدًا، تبلغ نحو 300 أو 400 دولار، وهذا الأمر غير دقيق، باعتبار أنّ بعض الإعلانات يتحدّث عن كلفة الإقامة في الفندق ويتجاهل قيمة تذكرة السفر أو كلفة ضرائب المطارات. ومن الضروري الإنتباه إلى نوعية المساكن المُقدّمة، في حال كانت بيوتًا جاهزة للإستئجار، وإلى موقع الفندق المعني وعدد "نجماته" التي تعكس في نهاية المطاف نوعيّة الخدمات التي يُقدّمها. وبعض الإعلانات يتجاهل تمامًا كلفة الأكل والشرب والتنقلات ورسوم الأماكن السياحيّة، وكلفة الإنتقال من المطار إلى الفندق وبالعكس. حتى أنّ بعضها لا يفرض التأمين الإلزامي على المُسافرين، إلخ.

وفي كل الأحوال، يكفي أن يقوم أي شخص يرغب بالسفر مرّة في السنّة، لمدة أسبوع كامل إلى بلد قريب من لبنان، والتمتّع بشاطئ رملي جميل، أو بمناظر طبيعيّة خلابة، أن يوفّر لهذه الغاية مئة دولار شهريًا في صندوق خاص لمدة عام كامل، وأن يحجز رحلته قبل أشهر من موعدها للإستفادة من تقديمات وحسومات مختلفة، وأن يتنبّه لتوقيت إقلاع وعودة الطائرة التي ستنقله إلى وجهته وستعيده منها، لأنّ الإقلاع فجرًا يعني الإستفادة من يوم كامل في الخارج، بينما الإقلاع مساء يعني خسارة يوم كامل وهدر كلفة المبيت لليلة كاملة في الفندق، والعودة مساء تعني الإستفادة من يوم إضافي في الخارج، بينما العودة صباحًا تعني خسارة هذا الإمتياز.