رغم أنني متهمٌ بالإطناب والانسيابية السياقية والقدرة غير المنضبطة على كتابة المطوّلات، إلا أنني أجد نفسي شبه عاجزٍ عن الكتابة عن ​سامي الجميل​. أخشى أن “أبخّر” بالشاب الكتائبي وهو لذلك غير مستحق، وأخشى أن “أهاجمه” اعتباطيًا وهو لذلك غير مستحق...

لم أعد أفهم ما يستحقّه سامي الجميل وهو الذي يفلح يومًا بعد آخر رغم طفرة الإطلالات واللتّ والعجن في المواضيع نفسها، في رسم حالةٍ خاصة به تجعل حتى بعضًا ممن كانوا يعتبرونه صوت نشاز يشعرون وكأنه لسان حالهم.

للوهلة الأولى، ومنذ دخوله القبة البرلمانية بدا سامي لكثيرين أشبه بطفلٍ مشاغبٍ يريد إعلاء الصوت لا أكثر مستغلًا إطلالةً ونبرةً تنهلان من بشير العمّ قوةً على التأثُّر والتأثير. الأيام الأولى ظلمت الشاب الذي أصبح “شيخًا” ثمّ رئيسًا لحزب عريق. ظنّ كثيرون وبعضهم لمّا يزل أن أمين وجويس أفرطا في “تغنيج” صغير البيت وتدليله وبالغا في إطعامه العسل والحليب، وأفرطا في تكبير الخسّة في رأسه حتى بات يتصرّف بنفسه وبالحزب كما يريد ويطرد من شاء ويستقدم “من هبّ ودبّ”، لدرجة أنه استعان بأحد المستشارين “المشموس” بحقد خطابه وبتقلّب مزاجه السياسي. تلك النظرة التي يتشاطرها كثيرون ويهمسون بها في صالوناتهم وكواليسهم ومن بينهم متعاطفون مع ​حزب الكتائب​، لا تلغي حقيقة أخرى يعمل سامي على تغذيتها وريّها يومًا بعد آخر. هي صورة سامي “الشعبي- الشعبوي (بالمعنى الإيجابي للكلمة) الهابط من بيتٍ عريق الى مستوى عامّة الناس و​المجتمع المدني​، المتخلي أقلّه قولًا عن أواني قصر والده الذهبية وتماثيله الأفريقية لحساب الدفاع عن حقوق فقراء القوم.

هو سامي البار الذي، شاء من شاء وأبى من أبى، يجيد رسم استراتيجية استعطافية ناجحة حتى الساعة. يغني معارفه بلغة الناس، يتمرّن على مصطلحاتها أمام مرآة غرفته وذاته.

هو سامي النائب الذي يصدح صوتُه في ​مجلس النواب​ عندما يتعلق الأمر بإقرار ضرائب “مقنّعة” من جيوب الناس.

هو سامي المعارض المعترض الذي يلوّح بطعن في مشروع ​سلسلة الرتب والرواتب​ لأنها ستمتص من دماء الشعب ما بقي ساريًا في العروق.

متفرغًا يبدو الشيخ سامي هذه الأيام لدرجة أن مؤتمراته الصحافية “مقتّلة” بعضها، أو ربما قرر أن “يعمل حقوق الناس شغلتو وعملتو” وهو لهذه الغاية يطل عليهم بشعاراته المعيشية المحقة.

لا نشتاق لسامي هذه الأيام، فهو رجل الإطلالات هذا العام. لا نشتاق اليه لأنه ابنُ الشارع والناس.

لا أعرف الرجل خير معرفة وبالكاد التقيته مرةً أو اثنتين وهاتفته مرةً أو اثنتين ومع ذلك أجد نفسي أشبه بـ”خابزو وعاجنو”. أزايد على نفسي كلّ مرةً أصغي اليه، أحاول تصديقه عبثًا، أحيانًا أفعل وأحيانًا أخرى لا يمكن إلا أن أصدّقه. في شتى الاحوال، لا ينتظر “الرجل الواصل” صحافيًا يصدّقه أو آخر يكذّبه ويدحض كلامه. جلّ ما يبتغيه أمرٌ من ثلاثة أو الثلاثة معًا: إما أن يشكل نموذجًا شعبويًا للحكم في لبنان قريبًا من الناس والكادحين والعائشين باللحم الحي؛ إما أن يستفيد من موقعه كمعارضة يتيمة طالما أن ليس لديه ما يخسره وهو خارج السلطة التي لو مُنِح ما أراده من حقائب لكان من ضمنها ولاختفى صوتُه؛ وإما بلورة حيثية انتخابيّة في المتن خصوصًا أن القانون الجديد صعّب عليه المهمّة بقدر ما منحته النسبية أملًا بخرق الجدار المسيحي-المسيحي متى استوت التسوية انتخابيًا.

لا أعرف الرجل خير معرفةٍ وقد لا أؤيد كثيرًا من طروحه وخطواته “الطائشة” ولا أجد نفسي مضطرًا الى احترام بعضٍ ممن يحيطون به للوجاهة، بيد أنني مكرهٌ كمواطنٍ لبناني على احترام ما يقول، صادقًا كان أم متملقًا، طالما أن في حنجرته صوتَ الملايين وصوتي، وطالما أن هناك أياديَ سكنتها التجاعيد تُحرّك سُبحةَ صلاة فيما الشفاه تتمتم خير دعاء: “سامي عاشت الأسامي".