جهودٌ فرديةً أثمرتْ إنجازاتٍ كبيرة... قال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)(التوبة:105). طريقٌ إلى الأُخرى بعيدٌ ومُوْحشٌ ولا بُدَّ منْ زادٍ له ومطيَّةِ وما زادُنا إلاَّ التُّقى، ومطيُّنا بأبعادِها: غير النفوسِ الزَّكِيَّةِ(1).

وقد أحيوا بنا أملاً، وأخجلونا من مجلسنا، بعدما كُدنا نفقد الأمل بنهضةٍ ما علمية وثقافية للعلويين، في ظل ما تعانيه من ويلات وعذاباتٍ وشهداء منذ سنواتٍ، وبعد غياب مرجعياتهم المقدسة، ابتدأت نهضة العلويين في ​تركيا​...

صحيحٌ أننا في ​لبنان​: بلد الحريات والديمقراطية، ولدينا مجلس علوي (من ورقٍ) إلاَّ أننا ما زلنا بعيدين جداً عن الوصول إلى ما حققه إخوتنا في تركيا بمجهوداتٍ فردية...

أخجلتنا نجاحاتهم رغم تواضع قدراتهم، ونحن في لبنان لم نحجز لنا مكاناً بعد، ولو على هامش الخريطة السياسية، لأن إرادة القيمين على مجلسنا العلوي لا يُكتب لها نجاح. وبمقارنة بسيطة مع نجاح إخوتنا الأتراك الذين أخلصوا النية لشعبهم، يُعرف سبب فشل مجلسنا العلوي اللبناني. (راجعوا نصيحة العلامة "قده" في آخر المقال)

فمن أنطاكية(Antakya) والسويديةSamandağ "sveydiye)) وأرسوز(Arsuz) وأضنة (Adana) واسكندرون(İskenderun ) وميرسين(Mersin)، وجميع البلدات مثل النعيرية (Nariyah) والطاولة (tavla) والمشرقية(Mışırki) والنهر الكبير(Nehrılkebir) وصيلجا(Sayılca) والميادون (Meyedün) والجلية(Cılli)، تداعت فعاليات العلويين ومشايخها الكرام برعاية الشيخ الجليل، والمصلح الكبير: أحمد حسن وردة.

هذا( المجاهد العظيم) هو رئيس جمعية كليكيا(Kilikya) للعلويين الذي آلى على نفسه إلاَّ أن يكون للعلويين مؤسسة جامعة للعلويين ترعى مصالحهم وتنظم شؤونهم، بعد لقاءات استمرت (6) ستة أشهرٍ.

عقد المؤتمر التأسيسي في (6/ تموز/2017) واستمر يوماً واحداً، في ميرسين (Mersin) برعايته وإشراف جمعيته (Kilikya) وهي كلمة تعني "قويه"، وأعلن فيه قيام المجلس وافتتاح جامعة وإذاعة محلية.

وقد حضر حوالي (132) شيخاً وعالماً تركياً، ومن لبنان فضيلة الشيخ علي قدور (حفظه الله):

ومن أبرز الشيوخ المشاركين، الشيخ آدم عبد الخالق والشيخ محمد جلال من أرسوز(Arsuz)، الشيخ سلمان محمد حسن (صيلجا:Sayılca)، وهو من كبار الشعراء والكتاب والمدرسين، الشيخ يوسف أيوب من وادي الجرب(Vedicereb)، الشيخ مصطفى علي بدر والشيخ اسماعيل بدر من أضنة(Adana).

ومن أبرز أهدافه، اظهار هوية العلويين الإسلامية الحقيقية، والعمل على وحدة العلويين، والتفاعل مع قضاياهم، والعمل على تحصيل حقوق العلويين، بالطرق القانونية واحترام المبادئ الدستورية، والتفاعل مع قضايا العلويين في العالم والتواصل مع المؤسسات الدولية، والعمل على نهضة هذه الأمة بمد اليد لكل الفاعلين في جميع أرجاء هذه المعمورة لما فيه رقي وخير العلويين.

أسسوا مجلساً لا رئيسَ له، لأن نيتهم خدمة شعبهم لآ خدمة أنفسهم، هذا المجلس لا رئيس له، أعضاؤه فيه سواسية كأسنان المشط، يوجد ناطق لهذا المجلس، كل سنة مداورة، والآن الذي دعا إليه والذي قام بالمبادرة هو رئيس جمعية كليكيا للعلويين: الشيخ احمد حسن وردة هذا (المجاهد العظيم) الذي بذل الغالي والنفيس في سبيل توحيد كلمة شعبه على الخير، وفي سبيل خدمة العلم، والنهوض بالعلويين.

وقد تَمَّ الإتفاق على عقد الإجتماع الثاني لمناقشة النظام الداخلي لهذا المجلس في الرابع من تشرين أول: سيعقد في السويدية في أنطاكية، وسيكون المضيف لها فيها جمعية الأكات(AKAD) الذي يرأسها الشيخ سليمان علي المغريتي Mağriti (Süleymanokur) (الكلمه اختصار تعني البحث في الثقافة العلويه آكات "AKAD" ALEVİ KÜLTÜRÜNÜ ARAŞTIRMA DERNEĞİ).

ومن الجدير بالذكر أنَّ شقيق الشيخ أحمد حسن وردة: الأستاذ موسى وردة أحد أعضاء إدارة إحدى التلفزيونات التركية، وقد انجز الشيخ أحمد حسن وردة إذاعة (محلية) في ميرسين تبث بشكل يومي باللغتين العربية والتركية، حتى جميع العاملين تعلموا اللغة العربية. بالإضافة إلى جامعة تدرسُ علومَ اهل البيت واللغة العربية لأبنائها.

وفي النهاية، نختم بنصيحة علامة العلويين الشيخ سليمان الأحمد (قدسه الله)(1864ـ 1942)، أرسلها لجمعيةٍ خيريةٍ (في ثلاثيناتِ القرن الماضي) تثناسبُ حال فرحتنا اليوم بإخوتنا العلويين الأتراك بإنجازاتهم، وهذه هي بعنوان "نصيحة لجمعيةٍ خيريةٍ"، قال تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ"(المائدة:2). إنَّ الأُمَمَ الراقيةَ إنَّما قامتْ بالتَّعاضُدِ وَالتَّعاوُنِ، وتأليف الجمعياتِ؛ لأنَّ ما تقوم به الجماعةُ لا يقوى عليه الفردُ، وهذا دليلٌ واضِحٌ ، وحسبُنا شاهداً ما صدَّرنا به هذه المقالة، من قوله تعالى، على وُجوبِ التَّعاضُدِ.

ألا ترون إلى الجمعيات التي بعضها ابنة العامِ والعامين كًمْ من الأعمال الجليلة قامتْ بها على قُرْب العهْدِ، وما أظنُّ أمَّةً من الأُممِ على وجهِ البسيطة أسرع إلى الخير منكم: أيَّتُها الفئة المُوالية ، فَصَدِّقوا القول بالفعلِ: (إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ)(يوسف:88) وَ(لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)(التوبة 120).

وأراني في غنىً عن تنبيهكم إلى ما بأعمالِ الخير والبذل في سبيلِ الله من الثوابِ الذي لا يُقدِّرُ قدرَهُ إلاَّ المُثِيْب سُبحانهُ، وما يُضاعفهُ اللهُ فلا حدَّ له.

ويجب على هذه الجمعية أن تجعل شعارها الصِّدق والإخلاص: أنا أُعاهِدُ اللهَ على الإخلاصِ فِيما يجبُ عَليَّ نحو هذه المُهمَّةِ، فإِنْ قَصَّرْتُ، فَعَنْ خَطَأٍ لا سوء نيَّةٍ، واللهُ هو الرَّقيبُ والشهيدُ.

ووراء ذلك تدقيقُ الأُمَّةِ وتحقيقها، والبحث عن الأعمالِ، ولها الثقة بمن شاءتْ، ورفض من شاءتْ مِمَّنْ لا تثقُ بهِ، وأوَّلُ إقتراحٍ للعملِ: رفضُ المبدأَ الطائفي، أعني الإنفاق على المُستحقين ليسَ إلآَّ ( ومَنْ جعلَ السَّخاءَ لأقربيهِ...)(2): فيا ربِّ، تدري ما تضمُّ جوانجي إلى أُمَّتي في اللهِ: مِنْ خالصِ الحُبِّ وحسبي الله ونعم الوكيل.

(1)الشيخ المقدس، العالم الشاعر: عبد اللطيف ابراهيم.(1905_1995)

(2)البيت لأبي العلاء المعري: ومن جعلَ السخاء لأقربِيه، فليس بعارِفٍ طُرُقَ السّخاءِ