بعد 10 أيام على إغلاق قوات الإحتلال الإسرائيلي المسجد الأقصى، بات الوضع ينذر بتصاعد الأحداث، والخشية من إندلاع "إنتفاضة فلسطينية" جديدة.

وبدا واضحاً أن المسؤولين الإسرائيليين، لم يكونوا يتوقعون وصول الأمور إلى هذا الحد، من رفض الفلسطينيين الدخول إلى المسجد الأقصى عبر البوابات الإلكترونية، التي نصبتها قوات الإحتلال عند مدخلي بابي الأسباط والمجلس، وأيضاً رفض الصيغ الأخرى، سواء بالعبور تحت جسور حديدية وُضعت عليها كاميرات مراقبة، أو التفتيش عبر الهراوات المعدنية.

وتخوفت الأجهزة الأمنية في جيش الإحتلال من تطوّر الوضع بعد امتداد المواجهات لتشمل مختلف مناطق المدينة المقدسة، التي حولت إلى ثكنة عسكرية للإحتلال، وامتدادها إلى مختلف مناطق الضفة الغربية، وبينها عملية الطعن التي وقعت في مستوطنة "حلميش" في الضفة الغربية وأدت إلى مقتل 3 مستوطنين.

هذا الوضع، يعتبر مختلفاً تماماً عمّا شهدته القدس والضفة الغربية منذ إندلاع الهبّة الفلسطينية في بداية تشرين الأوّل 2015، خاصة أن الشبان الفلسطينيين مندفعون لتنفيذ عمليات جديدة، لأن عدم أداء الصلاة في المسجد الأقصى، حدث غير مسبوق منذ إقفاله في حريق 21 آب 1969، ولا يمكن أن يمرّ بشكل إعتيادي لدى الفلسطينيين والمسلمين والعرب.

وتبرز خطوة القيادة الفلسطينية بوقف التنسيق مع الإحتلال بكافة أشكاله، مع تحرك يشمل "جامعة الدول العربية" و"مجلس الأمن الدولي"، وهو ما يمكن أن يُشكّل أداة ضغط على الإحتلال وحكومته "المربكة" والباحثة عن مخارج للمأزق الذي وضعت نفسها فيه.

ويعقد "مجلس الأمن" جلسة طارئة له اليوم (الإثنين) لبحث التصعيد في مدينة القدس، بناء لطلب تقدمت به مصر وفرنسا والسويد.

فيما يعقد مجلس "جامعة الدول العربية" إجتماعاً طارئاً على مستوى وزراء الخارجية (الخميس) المقبل، بناءً على طلب المملكة الأردنية الهاشمية، وتنسيقاً مع دولة فلسطين لبحث "الاعتداءات والإجراءات الإسرائيلية الأخيرة في مدينة القدس، خاصة في المسجد الأقصى".

وأكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن "قرار قطع العلاقات ووقف جميع أنواع التنسيق، سواء الأمني أو غيره، ليس سهلاً على الإطلاق، لكن لن يعود التنسيق الأمني الماضي إلا في حال تراجع الإحتلال الإسرائيلي عن إجراءاته في المسجد الأقصى".

وقد ترك قرار القيادة الفلسطينية بوقف الاتصالات مع الإحتلال الإسرائيلي، صدمة لدى مسؤوليه، حيث حاول وزير جيش الإحتلال أفيغدور ليبرمان الايحاء بأن "التنسيق الأمني ليس حاجة إسرائيلية، فهو قبل أن يكون مصلحة لنا، هو مصلحة وحاجة للفلسطينيين".

وكرر ليبرمان بمهاجمة الرئيس "أبو مازن" واعتباره أنه "ليس شريكاً للسلام، ويهدف للمس بدولة إسرائيل، واستنزافنا وتفكيكنا من الداخل، والمس بمكانة دولة إسرائيل في العالم، وليس آخرها الخطوة التي قامت بها السلطة في اليونسكو".

وادّعى وزير الزراعة الإسرائيلي أودي إيرائيل من "حزب البيت اليهودي" أن "العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس "أبو مازن" لا يقرران هنا، ومن يُقرّر هنا دولة إسرائيل"، داعياً إلى انه "يتوجب السماح لليهود بالدخول إلى المسجد الأقصى دون أية قيود، كما هو معمول اليوم، والبناء في كل مكان من أرض إسرائيل".

وأمس إستمر المسجد الأقصى خالياً تماماً من المصلين لليوم العاشر على التوالي، حيث بقيت أبوابه مغلقة وساحاته خالية.

وأدى آلاف الفلسطينيين الصلوات أمام المسجد المبارك، تعبيراً عن رفضهم المستمر لإجراءات الإحتلال.

وأدوا صلاتي المغرب والعشاء في ساحة باب الأسباط وداخل باب الأسباط وباب المجلس في القدس، على الرغم من إجراءات الإحتلال المشددة، الذي أقدمت قواته على مهاجمة المصلين بالقنابل الصوتية والدخانية والمسيلة للدموع، والرصاص المغلف بالمطاط، فضلاً عن استخدام الهراوات، ما أدى إلى إصابة 21 مواطناً بجراح متنوعة.

وبعد الصلاة ردد المصلون شعارات وطنية وتكبيرات وأغلقوا شارع الأسباط بأكمله.

ونصبت قوات الإحتلال جسوراً مرتفعة عن الأرض، على مداخل المسجد الأقصى، ثبتت عليها كاميرات جديدة، حيث ستسمح بالدخول للمصلين إلى المسجد دون المرور من البوابات الالكترونية، وستكون هذه الكاميرات بديلاً عنها.

وبإمكان قوات الإحتلال مراقبة وفحص كافة المصلين الذين يعبرون إلى المسجد الأقصى، وكشف السلاح والسكاكين، دون أن تكون هناك حاجة لتفتيش كل شخص على مدخل المسجد، فيما ستوضع البوابات الالكترونية جانباً، وتستخدم فقط لتفتيش أي مشبه به ممن يرتدون ملابس بأكمام طويلة، مع منع إدخال أية حقائب أو أكياس غير ملائمة.

وأمس، رفض الفلسطينيون خلال صلاة فجر أمس المرور من تحت هذه الكاميرات، أو الدخول عبر البوابات الإلكترونية، أو التعرّض للتفتيش اليدوي، متمسكين بموقفهم الرافض لأية إجراءات جديدة يفرضها الإحتلال، ومطالبين بالعودة إلى ما كان عليه الوضع في المسجد الأقصى ما قبل 14 الجاري.

وبدا واضحاً الخلاف بين الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بشأن وضع البوابات الالكترونية امام مداخل المسجد الأقصى.

ومرد تلك الخشية، من تطوّر الوضع الأمني في مدينة القدس والضفة الغربية، وتفجير الأوضاع، وهو ما حذر منه جهازا "الشاباك" و"أمان".

فيما دافع عن هذه الإجراءات وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي جلعاد أردان، مبرّراً بأن "وضع الشرطة الإسرائيلية لهذه البوابات، جاء في أعقاب تنفيذ عملية في المسجد الأقصى، ولمنع تنفيذ عملية ثانية، والحفاظ على دور الشرطة الإسرائيلية، المسؤولة الوحيدة عن المسجد الأقصى".

وما يُعزّز الخشية من التطورات الأمنية، هو استدعاء "حرس الحدود" في جيش الإحتلال أمس (الأحد) ضباطه وعناصره في الضفة الغربية والقدس.

وقد تمّ توجيه أمر استدعاء رقم 8، لوضع "حرس الحدود" في الاستعداد التام والإلتحاق بوحداتهم في حال استمرت حالة التوتر في الضفة الغربية والقدس، ويعني استدعاء الاحتياط من قبل قيادة جيش الإحتلال، دون موافقة المستوى السياسي في الكيان الإسرائيلي.

وأمس، استمرت المواجهات في أكثر من مكان، بين الشبان الفلسطينيين وقوات الإحتلال، التي استخدمت الرصاص الحي والمطاطي والقنابل الصوتية والدخانية والمسيلة للدموع، وأطلقها لتفريق المحتجين، حيث تسابق الشباب للاستشهاد واللحاق برفاقهم، وأحصي سقوط 8 شهداء ومئات الجرحى منذ عملية "محمد الجبارين الثلاثة".

وسجل إصابة أكثر من 25 شاباً فلسطينياً برصاص جنود الإحتلال التي أطلقت الرصاص والقنابل الصوتية الدخانية والمسيلة للدموع خلال إقدامه على قمع مسيرة متظاهرين بالقرب من جدار الفصل العنصري في بلدة حينوس - شرق قلقيلية، انطلقوا من وسط قلنديا، ما أدى إلى اندلاع مواجهات عنيفة في المكان، كما أقدمت قوات الإحتلال على اعتقال أكثر من 200 فلسطيني في القدس والضفة الغربية منذ إغلاق المسجد الأقصى.

واستشهد الشاب الفلسطيني يوسف كاشور برصاص الإحتلال الإسرائيلي خلال المواجهات التي وقعت مساء أمس الأوّل في بلدة العيزارية في القدس.

وحقق الشاب كاشور أمنيته، حيث لم يرق له أن يفارق صديقه ورفيق دربه محمّد لافي، الذي استشهد أمس الأوّل، وودعه وهو يجهش بالبكاء قبل أن يلحق به بعدما كتب على صفحته الشخصية "الفايسبوك" بما يُؤكّد رثاءه لصديقه الشهيد: "بعدك على درب الوطن لمشي أنا بعدك.. إسمك محفور بالقلب مهما يطول بعدك.. والله عطول العمر لأبقى على عهدك".

وتوجه إلى دماء الشهداء والجرحى قائلاً: "كل قطرة دم سقت نخيل الوطن فإرتفع شامخاً.. وكل روح شهيد كرت قيود الطواغيت".

وإلى الأسرى توجه بكلمة: "لا سجن ولا سجان يرهبنا، نحن رفاق سعدات والكل يعرفنا.. الله يفك أسركم وإن شاء الله هويني يا غوالي".

ورفض ذوو شهداء مدينة أم الفحم الثلاثة: محمّد أحمد مفضي جبارين ومحمّد حامد جبارين ومحمّد أحمد موسى جبارين، جملة وتفصيلاً، الشروط التي وضعتها شرطة الإحتلال مقابل تسليم جثامين أبنائهم، ومنها تحديد عدد المشيعين، وإيداع كفالة مالية.

وكانت شرطة الإحتلال قد احتجزت جثامين الشهداء الثلاثة إثر تنفيذهم عملية القدس الجمعة قبل الماضي، بعد قتلهم شرطيين إسرائيليين.

وقد توعد رئيس حكومة الإحتلال بنيامين نتنياهو بالإسراع بهدم منزل منفذ عملية "حلميش" في أقرب وقت ممكن.

هذا ويناقش الكنيست الإسرائيلي اليوم (الاثنين) قانون منع الأذان تمهيداً للمصادقة عليه بالقراءة الأولى، بعدما صادقت الهيئة العليا للكنيست بالقراءة التمهيدية على القانون قبل أكثر من 14 شهراً، فيما كان الكنيست قد صادق بالقراءة التمهيدية على قانون يحظر استخدام مكبرات الصوت لرفع أذان الفجر في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1948.

وقد أفرجت قوات الإحتلال الإسرائيلي عن عدد من قياديي حركة "فتح" في القدس وفي طليعتهم عضوا "المجلس الثوري" حاتم عبد القادر (مسؤول الحركة في القدس) وعدنان غيث (أمين سر الحركة في القدس)، والناشطان ناصر الهدمي وناصر عجاج ومحمّد أبو الهوى، بعد اعتقالهم فجر الجمعة في محاولة للضغط على المقدسيين في تحركهم ضد قوات الإحتلال.

لكن، قرّر قاضي محكمة الصلح الإسرائيلية إبعادهم عن مدينة القدس لمدة 10 أيام، ومنعهم من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمدة 30 يوماً، ومنع إجراء المقابلات الصحافية لمدة 50 يوماً، وهو ما رفضته حركة "فتح".

وحذرت فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، الإحتلال من مواصلة عدوانه وممارساته ضد المسجد الأقصى، معتبرة ذلك بأنه يمثل "إعلان حرب".

وأعلنت خلال مؤتمر صحفي عقدته أمس في بيان مشترك تلاه القيادي في حركة "حماس" إسماعيل رضوان بأن "العدو الصهيوني وحده من يتحمل تبعات عدوانه الهمجي، ولن نسمح بتمرير مخططاته مهما كلف ذلك من ثمن".

هذا، ومنع جيش الإحتلال، العمال الفلسطينيين أمس من الدخول إلى عدد من المستوطنات في الضفة الغربية، مع فرض قيود على الدخول إلى المستوطنات التي لم يشملها المنع.