لم تفلح كل مساعي "​جبهة النصرة​" والدول التي دعمتها ومولتها طوال الأعوام الماضية بتبييض صفحتها وانتشالها من مستنقع "المنظمات الارهابية"، بالرغم من المحاولات الجدية التي بُذلت ان كان من خلال تغيير اسمها أكثر من مرة، أو خلال دمجها في هيئات مختلفة مع فصائل معارضة أخرى كـ"فتح الشام" ومؤخرا "هيئة تحرير الشام". فسعي الجبهة لتزعم هذه الهيئات وفرض نفسها اللاعب الأوحد في الميدان بعد اقصاء باقي المجموعات، كما عدم تمكنها من الخروج من عباءة تنظيم "القاعدة" ومشروعه، كلها عوامل حسمت مسألة تصنيفها دوليا ارهابية، واتخاذ قرار استئصالها باطار الحرب "العالمية" المستمرة على الارهاب، على ان يتم التفرغ لها بعيد الانتهاء من مهمة اقتلاع "داعش" والتي شارفت على نهايتها بعد سقوط ​الرقة​ واقتراب معركة ​دير الزور​.

الا أن المستجدات التي شهدتها محافظة ادلب في الشمال السوري الاسبوع الماضي، والتي انتهت بالاعلان عن سيطرة "جبهة النصرة" على مجمل المحافظة التي تُعتبر المعقل الأبرز للمعارضة السورية، بعد معارك أدّت الى اقصاء حركة "أحرار الشام" والتي كانت الفصيل الأبرز الذي يُقاسم "النصرة" على النفوذ، كلها عوامل ستسرّع لا شك عملية الانقضاض عليها، بعدما أوجدت الذرائع المناسبة لحملة عسكرية تتولاها أنقرة على غرار "​درع الفرات​" او حتى ​روسيا​ التي هددت مؤخرا بتحويل إدلب الى "موصل جديدة".

ووفق خبراء متخصصين بشؤون الجماعات المتطرفة، فان "النصرة كانت دائما هدفا مؤجلا إلى ما بعد الانتهاء من داعش لأسباب عدة، أولها أن أماكن سيطرتها متداخلة مع الجيش الحر وفصائل المعارضة، بحيث أن الفصل بينها يتطلب جهودا كبيرة، إضافة لكون معظم مقاتليها من السوريين بخلاف داعش مثلا الذي يضم بغالبيته مقاتلين أجانب. أما السبب الثاني فعدم قيام النصرة بعمليات عسكرية خارج الأراضي السورية مما يجعل خطرها أقل من خطر ​تنظيم داعش​ الذي يحتلّ مناطق شاسعة من ​سوريا​ وبخاصة مناطق حيث اهم موارد النفط".

ويعتبر ​التحالف الدولي​ لمحاربة الارهاب ان "التركيز على هدف محدد -وهو هنا داعش- يسهل تحقيق انجازات ملموسة في حين التركيز على اكثر من هدف يشتت الجهود"، واليوم وبعد اقترابه من انجاز مهمّته والتي تتركز بشكل رئيسي في منطقة الشمال السوري، بدأ يُعد الخطط المستقبلية للقضاء على "النصرة"، وان كانت المعركة معها قد تختلف كليا عن شكل المعركة التي يخوضها بوجه "داعش"، بحيث ترجح كل المعطيات ان يتم توكيل مجموعات الجيش الحرّ مدعومة ​تركيا​ بتولي هذا الملف.

بالمحصلّة، وان كانت تطورات إدلب تُسرّع نهاية "النصرة" الا انّها لا شك لا تجعل المعركة ضدّها خلال أسابيع أو حتى أشهر، بحيث يُجمع المعنيون بأن القضاء عليها سيكون المحطّة الأخيرة قبل اعلان الاتفاق الاميركي-الروسي على حل نهائي للأزمة السورية، وهو ما بدأت مؤشراته بالظهور تباعا ان كان من خلال الهدنة في المنطقة الجنوبية، والتي تم التفاهم قبل ايام على ان تشمل ​الغوطة الشرقية​، او من خلال ما يتردد عن اتفاق قريب على دستور جديد لسوريا خلال اجتماع جنيف المقبل، يليه انتخابات تشرف عليها ​الامم المتحدة​ وتنتهي بانتخاب مجلس رئاسي على اساس قيام نظام كونفدرالي.