تُحسب قوة البلد على أساس تماسك مجتمعه وصلابته، هكذا هي الحال في الدول القوية حيث يختلف الشعب في الشؤون الداخلية البسيطة والسياسات المعتمدة والانتخابات وغيرها من مسائل تسيير الحياة العامة، ويقف صفا واحدا عندما يتعلق الأمر بشأن استراتيجي يعني وحدة البلد. ولكن في ​لبنان​ كل شيء مختلف، فإن لم يكن اليوم، متى ولماذا سيتفق المجتمع اللبناني بأكمله على موقف واحد؟.

من أقصى الكرة الأرضية الى أقصاها، يتسابق حكام الدول على محاربة ​الإرهاب​ بكافة أشكاله، هذا الإرهاب الذي دخل شمال لبنان وتمركز فيه منذ 5 سنوات لأسباب وظروف سياسية متنوعة لن ندخل بها في بحثنا هذا، ولكن ما يهمنا هو ان لبنان اليوم يخوض "حربه" ضد الارهاب لتحرير جروده المحتلة معتمدا على "المعادلة الثلاثية" الذهبية، الشعب والجيش والمقاومة، فهل يُعقل أن يكون في لبنان من يقف بوجه هذا الخيار؟.

يقول عباس زهري وهو احد الناشطين الداعمين للمقاومة والجيش على مواقع التواصل الاجتماعي أننا "منذ تأسيس لبنان لم نر الشعب متفقا على موقف، ويمكن في بعض الاحيان، اذا ما توافرت ظروفا معينة أن تسير غالبية الشعب في موجة واحدة، تماما كما يحصل اليوم، ولكن لن يكونوا جميعا مقتنعين بصوابية الخيار الذي يسيرون به، بل يجدون ان المصلحة تقتضي ذلك"، مشيرا في حديث لـ"النشرة" الى أنه في هذه المرحلة قد يكون صمت المعترضين على ما يجري في ​جرود عرسال​ موقفًا مناسبا، أفضل من موقف أولئك الذين يؤيّدون الحرب على الارهاب في العلن ويعملون لدعم الارهابيين في السر. بالمقابل يرى ميشال أبي راشد وهو أحد الناشطين الداعمين للجيش دون المقاومة، ان "​الشعب اللبناني​ لم يتفق في السابق على محاربة ​اسرائيل​ ولم يتفق على ​محاربة الارهاب​، وهذا الامر يأتي بسبب عدم ايمان جزء من اللبنانيين بقدرة ​الجيش اللبناني​ على إنجاز هذه المهام لوحده"، مشيرا في حديث لـ"النشرة" الى أنه "رغم ضعف قدرات الجيش اللوجستية، الا اننا عندما نؤمن بامكانياته فسنتفق على دعمه وتسليحه مهما كلف الامر".

لا شك أن الأيام الثلاثة الماضية أظهرت "حقدا" دفينا بين فئات الشعب اللبناني، اذ طبّق البعض المثل القائل "نكاية بجاري مزّقت سروالي"، وانطلقت مواقف هؤلاء من "كره" للمقاومة والحزب الذي يمثلها اليوم، أو تعاطف مع ما سُمِّي "ثورة سورية" في يوم من الأيام، وبأسوأ الاحتمالات انطلقت مواقفهم من دعم للارهابيين، وحاولوا التفرقة بين الجيش اللبناني والمقاومة علما أن الجبهة العسكرية واحدة، والعدو واحد، وهو الإرهاب، فحبذا لو طبقوا المثل القائل "أنا وخيي على إبن عمي وأنا وإبن عمي عالغريب"، تاركين الخلافات جانبا لحين كسر الإرهاب.

تشكل حرب أي دولة على الارهاب فرصة ذهبية لشعب هذه الدولة قد يتوحد حول قضية واحدة، وفي لبنان مثلا لن نجد قضية محقة كهذه كي نرص الصفوف لأجلها، فالارهاب الذي دخل لبنان لم يميز بين مناصر لفلان او فلان، ولم يفرّق بين من يصلّي في جامع أو كنيسة، لا بل خطّط لاستهداف الصلاة في المكانين، وفخخ السيارات لتفجيرها في مختلف المناطق اللبنانية، وكل اهتمامه كان إسقاط اكبر عدد ممكن من الشهداء، فأي قضية أشرف من هذه القضية كي نتفق عليها؟.

يوم ذهب "​حزب الله​" الى ​سوريا​ للمشاركة في المعارك الدائرة هناك، وقف عدد من اللبنانيين مستنكرين ومعترضين وهذا حق لهم بالتعبير عن رأيهم، ولكن اليوم يختلف الأمر، فالحرب ضد الارهاب تجري على أرض لبنانية، بتعاون وتنسيق بين الجيش اللبناني والمقاومة، فكيف يُعقل أن يقف لبناني الى جانب الارهاب في معركة كهذه، وكيف يُسمح لقوى سياسية أن تكون "عدّادا" لشهداء المعركة من الجانب اللبناني؟ هل سقطت القيم، أم بِيعت "الذمم" في سوق السياسة الإقليمية والدولية؟.

إن المرحلة اليوم لا تحتمل المواقف الرمادية ولا "الأحقاد الدفينة"، بل تتطلب حسًّا وطنيا عاليا من قبل اللبنانيين كافةً، للتأكيد على دعم ​المؤسسة العسكرية​ اللبنانية والمقاومة لتحرير الاراضي المحتلة من قبل ارهابيين يملكون مشروعا معاكسا لأسس دولة لبنان القائمة على التعايش بين الطوائف والأديان.