منذ إنطلاق العملية العسكرية التي يقوم بها "حزب الله" في جرود بلدتي فليطة السورية و​عرسال​ اللبنانية، طرحت العديد من القوى السياسية المحلية نظرية عدم منحها "الشرعية الوطنية" لما يقوم به الحزب خارج حدود الوطن، بالرغم من تراجعها عن دفاعها السابق عن ​الجماعات المسلحة​ المتواجدة في تلك المنطقة، بعد أن بات الجميع يعلم أنها ليست إلا هيئة "تحرير الشام"، أي الجناح السوري لتنظيم "القاعدة"، وتنظيم "داعش" الإرهابي، في حين كانت قبل أشهر قليلة تتحدث عن "ثوار" لديهم الرغبة في "الحرية" و"التحرر".

على رأس تلك القوى التي ترفض اليوم منح الحزب "الشرعية الوطنية" يأتي تيار "المستقبل"، الذي كانت مصادره في اليوم الأول لهذه العملية تتحدث عن أهمية الدور الذي يقوم به ​الجيش اللبناني​ لناحية حماية أهالي عرسال والنازحين، مرددة الموقف التقليدي من مشاركة الحزب في ​الحرب السورية​، بالرغم من إدراكها أن الدور الذي يقوم به الحزب بات يحظى بتأييد واسع على المستويين الإقليمي والدولي، لا بل إن بعض الأوساط الدبلوماسية تثني عليه في الصالونات السياسية المحلية.

وهي اليوم لا تزال تؤكد على الموقف نفسه، مع رفعها السقف عالياً بالنسبة إلى "شرعية" الدور الإقليمي الذي يقوم به الحزب، لا سيما في الداخل السوري، معلنة أن التيار لن يمنح الغطاء الوطني اللازم له بأي شكل من الأشكال، ومعتبرة أن ما يحصل في الجرود هو قتال بين ميليشيات لا علاقة لـ"المستقبل" به، وإن ما يهمه هو ألا يكون له أي تداعيات على الداخل اللبناني.

على هذا الصعيد، تشدد مصادر نيابية في قوى الثامن من آذار، عبر "النشرة"، على أن الحزب عندما قرر إطلاق هذه العملية لم يكن ينتظر "غطاء شرعياً" من تيار "المستقبل" أو من أي فريق سياسي ضمن قوى الرابع عشر من آذار، فهو يدرك جيداً موقف هؤلاء من الدور الإقليمي الذي يقوم به، وتشير إلى أن هذا الغطاء لم يكن ينتظره أيضاً خلال مقاومته الإسرائيلي، بل إن ما كان يطلبه فقط هو ألا يكونوا في الجانب المقابل، وتضيف: "اليوم الحزب يطلب الأمر نفسه مع علمه المسبق بأن أحداً لا يملك الجرأة على الدفاع عن ​الجماعات الإرهابية​ المتمركزة في الجرود".

بالعودة إلى "الغطاء الشرعي" نفسه، تشير المصادر إلى أن الدور الذي يقوم في الداخل السوري لا يحتاج إلى أي غطاء من القوى اللبنانية، وهو في الأصل لم ينتظر أي قرار لبناني للدخول إلى الحرب السورية قبل أشهر طويلة، لكنها توضح أن تلك المشاركة تحظى بالشرعية السورية اللازمة، على إعتبار أنها جاءت بالتنسيق مع ​الحكومة السورية​ المعترف بها من قبل ​الأمم المتحدة​ نفسها، وتضيف: "​بشار الجعفري​ لا يزال هو ممثل ​سوريا​ في المنظمة الأممية ولا أحد يستطيع أن يقول غير ذلك"، وتشير إلى أن الجانب الروسي لا يتردد في تذكير ​الولايات المتحدة​ بأن ما تقوم به على الأراضي السورية لا يحظى بالغطاء الشرعي، كونه لم يأت بالتنسيق مع دمشق.

وبعيداً عن "الشرعية" الناجمة من التنسيق مع الحكومة السورية، تشدد هذه المصادر على أن الحرب على الإرهاب تعطي الحزب "الشرعية" اللازمة التي يحتاج إليها، وتشير إلى أن الولايات المتحدة ترفع هذا اللواء للتدخل في عدد من دول العالم، وهي اليوم في سوريا تملك ما يقارب 10 قواعد عسكرية وتدعم فصائل معارضة متنوعة، من "قوات سوريا الديمقراطية" إلى "جيش مغاوير الثورة"، كما أن ​الحكومة التركية​ أقدمت على التدخل البري المباشر في الحرب تحت العنوان نفسه، وبالتالي لماذا هذا الأمر ممنوعاً على الحزب الذي لا تبعد مراكز الجماعات الإرهابية عن القرى والبلدات التي تضم أنصاره عشرات الكيلومترات؟.

وعلى الرغم من تشدد المصادر النيابية في قوى الثامن من آذار على أن الحزب لا يطلب أي شيء من القوى السياسية المحلية، تؤكد على تنسيقه التام مع ​الأجهزة الأمنية​، لا سيما ​المؤسسة العسكرية​، وتشير إلى أن المعركة في الجرود اليوم هي مصلحة لبنانية بالدرجة الأولى قبل أن تكون سورية، خصوصاً أنها قد تكون البداية لحل أزمة النازحين التي ترهق الداخل اللبناني على كافة المستويات الإقتصادية والإجتماعية والأمنية.

في الختام، تضع هذه المصادر كل المواقف التي تصدر بين الحين والآخر في الإطار الشعبوي، نظراً إلى أن البعض في الفريق الآخر لم يقتنع حتى الآن بأن المشروع الذي كان يراهن عليه على مدى السنوات السابقة سقط.