على اعتاب احياء الذكرى الـ11 لانتصار المقاومة في آب من العام 2006 وفي خضم اليوميات التي نستذكرها من عدوان تموز من العام نفسه، ها هي المقاومة ومجاهدوها يسطرون نصراً مبيناً آخر وفي تموز ايضاً على اتباع واذناب الصهاينة مهما تغيرت اسماؤهم او اشكالهم او مشاريعهم سواء قاتلنا الاصيل او الوكيل كلاهما سيان.

ففي حين يتابع الاميركيون والاسرائيليون والاوروبيون وتنشط اجهزة مخابراتهم المدنية والعسكرية في تحليل وتجميع معلومات عن قدرات وطاقات وتكتيكات المقاومين يسود الصمت الفعلي بعض المنظرين في الداخل اللبناني ومن "النكائيين" بالمقاومة وسلاحها ونهجها وحروبها ضد الارهاب واينما وجدت.

ومرة جديدة ومع العودة الى التاريخ منذ العام 1948 تاريخ الاجتياح الصهيوني لفلسطين وتقاعس جميع الانظمة العربية وعدم إعطائها الاوامر لجيوشها بالاستمرار في الزحف نحو فلسطين لطرد عصابات الهاغانا، يجب فتح نقاش ان الصراع مع العثمانيين ومع كل اشكال الاحتلال والاستعمار ولاحقاً مع العدو الصهيوني وانه لم يكن يوماً محط إجماع فعندما كان العثمانيون يشنقون ثلة من شباب سورية ولبنان في ساحتي الشهداء والمرجة كان بعض اللبنانيين والسوريين ينسقون سراً مع الفرنسيين والانكليز وكانوا يمهدون الارضية للاذعان لاتفاقية سايكس بيكو وللتهليل للاستعمار الجديد وكأني باحفادهم في العام 2005 من كانوا يهللون للحرية والسيادة والاستقلال وغيرها من نعوت مزعومة. ومن ثورة عبد الناصر الى المقاومة الفلسطينية الى حروب العام 1956 و1967 و1973 لم يكن الاعراب يوماً على قلب واحد ويفكرون بعقل رجل واحد عروبي مناضل وثائر ضد الاستعمار وضد الاحتلال الصهيوني لعاصمة عربية مقدسة وهي القدس. كما صمتوا في العام 1982 عندما حوصرت بيروت ودكت طيلة ثمانين يوماً بكل صنوف الحقد الصهيوني بالحديد والنار والفولاذ. اذن المقاومة ورفض الاذعان للمستعمر ليس فقط محل خلاف بين السياديين الحقيقيين الذين يرفضون الوصايات ويقدمون الدم والارواح لتكريس منطق الرفض هذا بل يذهبون الى التحرر الحقيقي ولو كلفهم ذلك ارواحهم. وعليه ها هم احفاد من قتلوا في مجابهة الاحتلال العثماني لبلدنا كما واجهوا الانتداب الفرنسي وصمدوا وقاتلوا في الجنوب من قدس والمالكية حتى التحرير في العام 2000، يسطرون ملاحم جديدة من البطولة والتضحية والفداء ويسقطون شهداء وهم في مقتبل العمر وممن يتبوأون من العلم مراتب عليا ويحكى ان بعض الشهداء في جرود عرسال في الايام الماضية هم من المتفوقين في الامتحانات الرسمية الثانوية افلا يستحق هؤلاء الاحترام والتقدير عندما يتركون كل شيء وراءهم ويذهبون للدفاع عن وطنهم حتى الاستشهاد.

لا عطاء اسمى من عطاء الدم وبذل الروح وهو ضريبة واقعية ومؤلمة لكل من اراد التحرر وان يكون سيداً ومستقلاً، فلا فرق بين من ارسى استقلال لبنان في العام 1943 وساهم في الجلاء في العام 1946 وبين من صد كل الاعتداءات في الاعوام 1948 و1978 و1982 و1996 و2000 و2006 وبين من يحرر جرود عرسال من التكفيريين والصهاينة الجدد.

فلا قيمة بعد اليوم لكل صوت نشاز يشكك في صدقية المقاومة ونظافة كفها وقدسية سلاح مقاوميها ويبخس كل قطرة دم تسقط من شهيد بذل روحه ليتحرر لبنان وارضه من شمالها الى جنوبها.

هذه الاصوات النشاز لا يجب ان تحاكم فقط او توضع عند حدها بالقانون وبالاخلاق وبالشرف الوطني فحسب بل يجب ان تحاكم في وطنيتها وانتمائها للبنان فهل تستحق فعلاً هذا الانتماء.

واذا سلمنا جدلاً بالشعارات التي تقول ان حرية القول والفكر والمعتقد يكفلها الدستور فحري القول ايضاً ان الدستور يعاقب كل من يحرض على المس بالهيبة الوطنية وبالجيش وبالدستور وبالمؤسسات ويثير النعرات بين المواطنين والاديان ويحرض على التعامل مع اعداء الوطن وهذه كلها جرائم يعاقب عليها القانون فهل يعقل مساواة المقاوم اللبناني الشهيد بالارهابي القتيل في عرسال ومن جنسيات غير لبنانية وهل يمكن القبول باستمرار احتلال ارض لبنانية ومن ارهابيين ومن جنسيات غريبة فقط نكاية وكرهاً بحزب الله وسلاحه؟

آن الاوان لهؤلاء ومع انتهاء معركة الجرود التي ستأخذ وقتاً اضافياً في جانبها الثاني مع ارهابيي داعش ان يتعظوا مع اقتراب ذكرى انتصار تموز من العام 2006 فلا احد اكبر من وطنه ولا احد اسمى من مقاومة لبنانية شريفة صنعت التاريخ مرات عدة وتعيد كتابته في كل مرة بطريقة مختلفة.