منذ اليوم الأوّل لمعركة ​جرود عرسال​، التي أعلن عنها "حزب الله" بالتعاون مع الجيش السوري والتنسيق مع الجيش اللبناني، طُرحت الكثير من الأسئلة حول موقف تيار "المستقبل"، الذي كان في الساعات الأولى في موقع المتردد بالحديث عنها بشكل مباشر، مفضلاً الوقوف خلف المواقف الداعمة للجيش اللبناني والإعلان عن عدم موافقته على ما يقوم به الحزب في الداخل السوري، وصولاً إلى تأكيده يوم أمس أنه لن يمنح الحزب الغطاء "الشرعي" أو "الوطني" في هذه المعركة، بالرغم من تراجعه عن الدفاع عن المجموعات المسلحة المتمركزة في الجرود، بعد أن بات هناك شبه إجماع أممي على تصنيفها منظمات "إرهابية" لا فصائل معارضة لها مطالب "مشروعة".

وبعيداً عن المعادلة التي تقوم على أساس أن الحزب لا يحتاج أصلاً إلى هذا الغطاء من جانب التيار، وهو منذ اليوم الأول لدخوله الحرب السورية قبل سنوات لم ينتظره ولا ينتظره اليوم، هناك حقيقة واضحة مفادها أن "المستقبل" اليوم يمر بأزمة بنيوية عليه التعامل معها بأسرع وقت ممكن، لا سيما بالنسبة إلى جمهوره الذي يعيش حالة من الضياع في كيفية التعامل مع الأحداث المستجدة، تظهر بين الحين والآخر عند كل إستحقاق كبير، وهي واضحة اليوم في التعامل مع معركة جرود عرسال.

في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن التيار منذ لحظة تبنيه ترشيح رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية أولاً، ومن ثم التراجع والذهاب إلى تبني مرشح قوى الثامن من آذار الأول ميشال عون للمنصب نفسه ثانياً، يمر بحالة طلاق مع جمهوره لم يتمكن من معالجتها حتى اليوم، بالرغم من الرسائل المتعددة التي كانت قد وصلت إليه من القاعدة الشعبية، والتي كان أبرزها في الإنتخابات البلدية والإختيارية في مدينة طرابلس.

وتوضح هذه المصادر أن الجميع بات يعلم اليوم بأن ليس هناك من مركز قرار واحد في التيار، بل هناك عدة أقطاب يغني كل منها على ليلاه، ويتهم بعضهم البعض بالوقوف وراء التسريبات التي تتناول الأشخاص أو ملفات من مسؤوليات بعض الوزراء في وسائل الإعلام، وتسأل المصادر: "هل يمكن الإستمرار على هذه الحال في حين أن "المستقبل" نفسه كان قد طلب تأجيل الإنتخابات النيابية لمدة عام من أجل لملمة وضعه الداخلي"؟.

تطرح المصادر نفسها العديد من الملفات التي كانت مسيطرة على الأوضاع الداخلية في الفترة الأخيرة، والتي ظهر فيها التيار منقسماً على نفسه إلى حد بعيد، أبرزها قانون الإنتخابات النيابية الذي صوت بعض نواب كتلة المستقبل ضده بالرغم من التسوية التي كان قد أبرمها رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ على هذا الصعيد، من دون تجاهل ما حصل في ملف ​سلسلة الرتب والرواتب​ خلال الجلسة التشريعية حيث كانت المواقف متناقضة من موادها بين رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، وأحياناً النائب سمير الجسر، واليوم معركة جرود عرسال التي غاب عنها الموقف الواضح حتى أمس، والتي سبقتها المواقف المتناقضة من العملية العسكرية التي قام بها الجيش في مخيمات النازحين بالبلدة.

من وجهة نظر هذه المصادر، كل المؤشرات توحي بأن أحداً داخل التيار لا يملك عصا سحرية لمعالجة الخلل القائم، والذي من المؤكد أنه سيكون له تداعيات خطيرة على أي إستحقاق مقبل، وتشدد على أن الأزمة الأساس تكمن بأن الحريري لم يعد قادراً على وضع حداً له، بالرغم من أن الكثيرين كانوا، في الفترة السابقة، يعتبرون أن ما يحصل يعود إلى إبتعاد رئيس التيار عن الساحة السياسية وغيابه المستمر عن البلاد، وتضيف: "اليوم الحريري موجود في البلاد وعلى رأس الحكومة لكن عملياً لم يتغير أي شيء، لا سيما بالنسبة إلى تعدد الأقطاب داخل التيار".

في المحصّلة، يحتاج تيار "المستقبل" إلى مراجعة شاملة على المستوى الداخلي، قادرة على إنهاء حالة تعدد الأقطاب التي تمنع رئيسه من السيطرة على القرار السياسي فيه، ولكن هل يمكن أن يحصل ذلك من دون أثمان باهظة يجب أن تدفع؟.