ما أُخذ بالقوة لا يُستردّ إلا بالقوة. السلام مع العدو انهزام المتخاذل. التاريخ يعيد نفسه دوماً. اليوم وفي ذكرى ثورة ​جمال عبد الناصر​ يتكرّر ​الشرق الأوسط​. احتلال لأرض عربية لا بل أراض؛ تطبيع عربي مع الاسرائيلي؛ تأييد غربي ل​إسرائيل​، أذرع دينية متشددة لتخريب ​الدول العربية​ خدمة لمشروع صهيوني-غربي-عربي.

جمال عبد الناصر في سبعينيات القرن الماضي قادَ حملة ضد جماعة الأخوان المسلمين التي اتهمها بمحاولة اغتياله. اليوم، رئيس جمهورية مصر المخلوع ​محمد مرسي​ المنتمي لجماعة الأخوان المسلمين قابع في السجن. كثرت وتعدّدت تسميات التنظيمات المصنفة إرهابية والمتغلغلة في دولنا العربية .ولكن؛ مات جمال عبد الناصر المصري الجنسية والعروبي الإنتماءات زعيم العروبة والثورة .

تبدّلت مصر. الاستبداد الاسرائيلي يستمر والذل العربي يكبر. ​فلسطين​ المحتلة؛ غزة المحاصرة؛ مسجد الأقصى المستباح؛ الأسرى المعذبون؛ ​هضبة الجولان​ السورية؛ تلال كفرشوبا و​مزارع شبعا​ ال​لبنان​ية قابلهم الخوف والذلّ العربي الذي كمّم أفواهاً وفتح أبواقا. النتيجة: اتفاقيات عربية إسرائيلية مخزية.

حروب ​العراق​؛ ​اليمن​؛ ​ليبيا​؛ ​سوريا​؛ لبنان؛ وصمة عار على جبين الضمير العالمي.

الطمع والتخريب الاسرائيلي والحروب في بعض بلدان ​المغرب العربي​ يصمت عنها معظم الإعلام العربي كما الغربي بالطبع .

الجرائم بحق الإنسانية ارتكبها ويرتكبها العدو الإسرائيلي بشكل يومي. أمّا الذل الأكبر أن كثيرا من العرب متآمرون.

إنّ في وطننا العربي جيلاً؛ ونحن منه؛ وُلِد تحت القصف والدمار؛ لم يعرف في طفولته سوى هدير دبابات والطائرات... نحن جيل لم نعرف جمال عبد الناصر.

ولكن عرفنا معنى الكرامة وقيمة المقاومة .لبنان الذي رزح تحت الإحتلال لم يتحرر إلا بانتصار الشعب المقاوم؛ فدحر العدو عن أرضه... وانتصر .لا يمكن لأحد أن ينكر أن النصر الإلهي الذي حققه ​حزب الله​ في ​حرب تموز​ 2006 على ​الجيش الاسرائيلي​؛ حقق فخرا وعنفوانا لأكثرية الشعب العربي. صور أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله رفعت في أصقاع الدول العربية. لكأنّ زعامة عبد الناصر لم تمت .

حققت المقاومة اللبنانية الثورة الحديثة؛ تم التخطيط لإخمادها؛ فقابلها مخطط "​الربيع العربي​".

اكفهرّ الربيع العربي وسقطت أوراقه. ورقة اليمن في طريقها الى التسوية. ورقة العراق رفرفت راية نصر بيضاء بعد تحرير جزء كبير من أراضيه. ورقة سوريا وقّعها ميدان معارك عنيفة ودموية بدل أن يكسر فيها ظهر المقاومة؛ اشتدّ عودها وباتت أقوى عتادا وعديدا .

ورقة لبنان كتبت مصير ​الشرق الأوسط الجديد​؛ لم تستطع كتابته اسرائيل أو عواصم الأطلسي.

قال جمال عبد الناصر من سوريا :"إن المسيرة المقدسة التي تصر عليها الأمة العربية؛ سوف تنقلنا من فوز لآخر. وعلم الحرية الذي يرفرف فوق ​بغداد​ سوف يحلق فوق عمان و​الرياض​. نعم؛ إن علم الحرية الذي يرفرف فوق ​القاهرة​ ودمشق وبغداد اليوم؛ سوف يحلق فوق بقية الشرق الأوسط ."

سواء كنت من مؤيدي هذه العقيدة أم لا؛ فلا أحد يمكنه أن ينكر أنّ الأمّة العربية ذات المسيرة المقدسة اليوم؛ هي نفسها؛ ولكن ليست عواصم دول وحكومات بل شعوبا وحركات مقاومة عروبية لم يقهرها القهر؛ قُبلتها فلسطين وطريقها ​القدس​... وبالقوة.

معارك ​جرود عرسال​ في لبنان؛ قضية تحرير أخرى ونصر آخر للبنان وللأمّة العربية بدماء لبنانية. لا شكّ أن النصر فيها هو امتداد على مساحة الشرق الأوسط وأبعد؛ خاصة بعد أن وصل خطر ​الإرهاب​ الى دول غربية عدّة. فالقضاء عليه خير للجميع. لذلك يصمت أيضا الكثيرون. في الأمس القريب كان حلم انتصار العروبة علم حرية يرفرف على كامل الشرق الأوسط .لكن اليوم؛ إن نصر العروبة يرسم علم حرية على مساحة محور يطال أبعد من الشرق الأوسط؛ فالوقائع الميدانية في كل من سوريا والعراق ولبنان وفلسطين تشير إلى أن مفاجآت توسّع هذا المحور ليست ببعيدة.

التبدل السياسي في مواقف بعض الحكومات الغربية حيال ​الأزمة السورية​ خير دليل على أن خلطة أوراق التحالفات الجديدة ستظهر قريبا.

أما نصر معارك جرود عرسال فنتائجه على الساحتين المحلية والدولية لن تكون بحت عسكرية.