لم ينعم اللبنانيون باكتمال فرحة الانتصارات بالانجازات التي يحققونها على الصعيدين الامني والعسكري، فيكتفون بالسيطرة الميدانية بعد عناء وجهد وعرق ودم، فيما تختفي الرؤوس المدبّرة والقيادات التي كانت تتولى طوال فترات ادارة المسلحين والارهابيين. تتجه الانظار اليوم الى جرود ​عرسال​، التي تتحرر بوقت سريع (اسرع مما كان يتوقع الكثيرون)، ليس لمعرفة النتيجة العملية التي باتت محسومة لجهة تطهير الجرود من الارهابيين واستعادتها بشكل كامل، انما لمعرفة مصير زعيم "​جبهة النصرة​" ابو مالك التلّي الذي عاث اجراماً وقتلاً، وينتظر الجميع ان يدفع ثمن ما قام به من خلال اعتقاله او توقّع ان يقضي وهو يقاوم هذا الاعتقال.

ولكن، كما بات معروفاً، فإن مثل هذه القيادات غالباً ما تكون محميّة من اجهزة استخبارات تتولى حمايتها وتهريبها الى اماكن "آمنة" تجعل من الصعب على المعنيين العاملين في الحقول الامنية المحلية تحديدها، فيبقى مصير القيادات مربوطاً بالاجهزة الاستخباراتية التي يعود اليها فقط تحديد التوقيت المناسب لتسليمهم او قتلهم او اخفائهم عن الانظار. من هنا، يبدو مصير التلّي غامضاً وسط تكاثر ​الانباء​ وتضاربها رغم حصرها بخيارين لا ثالث لهما: اما تهريبه او موته. الحالة الاولى، "ستنغّص" على اللبنانيين فرحتهم بالسيطرة على ​جرود عرسال​ ومنع اي من المسلحين الارهابيين التغلغل الى البلدة او الى مخيمات النازحين او الهروب نحو مراكز ​الجيش اللبناني​ للتسلل منها الى المناطق اللبنانية، لينتقل الخطر من الحدود الى العمق اللبناني. وفيما تقدّم التضحيات على الجبهات والحدود منعاً لتحقيق هذا السيناريو، يكون التلّي قد انسلّ الى خارج لبنان، وقد يتم استغلاله في الخارج للتغرير بالبعض ودفعه الى اعتماد الاساليب الارهابية والاجرامية لاثارة البلبلة والقلاقل وهزّ الاستقرار بعمليات امنية محدودة هنا او هناك، كما يحصل حالياً في الدول الاوروبية على سبيل المثال.

ولن يكون من الصعب تهريب التلّي لانه لن ينتظر حتى ساعة الحسم الاخيرة لتحقيق ذلك، بل عند اول مؤشر لقرب انهيار آخر خطوط الدفاع للارهابيين، فيتسلل هارباً مخلّفاً وراءه اسراراً كثيرة عن الجهات التي تعامل معها وموّلته ودفعته الى تنفيذ "اجندتها" طوال هذا الوقت وتهرب معه بالتالي كل المعلومات القيّمة التي بحوزته.

اما الحالة الثانية التي تقضي بموته خلال الوصول اليه، فهي ستكون بمبادرة منه حتماً، لان اعتقاله سيكون اولوية بالنسبة الى ​حزب الله​ او الجيش اللبناني، فخطره كإرهابي يكون شبه منتهٍ بعد سقوط الجرود عسكرياً، انما ما قد يدلي به من معلومات ستفيد على عدة محاور: امنية، عسكرية استراتيجية، سياسية واستخباراتية... فيكون الطرف اللبناني الرابح الاكبر. ولكن في المقابل، وبمجرد ان يعلم ان غطاء من موّله وتولى حمايته طوال الفترة الماضية قد رفع عنه، سيجد التلّي نفسه وقد اصبح وحيداً وظهره الى الحائط، وهو لن يرى النور حتماً اذا تم اعتقاله وسيخضع لاستجواب دقيق وطويل، وعندها سيفضّل بالتأكيد ان يكون في عداد الاموات وسيعتمد خيار المواجهة حتى النهاية لان تعرضه للخسارة وهو حي اكبر بكثير بالنسبة اليه من ان يفقد حياته.

كيف سينتهي المشهد الاخير لجرود عرسال بعد تحريرها؟ هل سيكون المشهد كلاسيكياً بهروب التلّي ام انه سيكون مغايراً باعتقاله او مقتله؟ كل الانظار شاخصة لمعرفة مصيره بعد ان بات سقوط الجرود في عرسال مسألة وقت، وعليه، يمكن معرفة ما قد يخبئه المستقبل للمنطقة بحيث ان ابقاء التلّي حياً على يد الاستخبارات الخارجية التي تدعمه يعني ابقاء ورقته في اليد واستعمالها عند الحاجة، او تسليمه بعد ان انتهى الغرض من فرضه على الساحة وقيامه بدوره كاملاً.