هل هي المصادفة أن يكون مطران القدس عطالله حنا أشد المدافعين عن ​المسجد الأقصى​ في ​فلسطين​، في وقت يتفرج مسلمو العالم على الاجتياح ال​اسرائيل​ي المتدرج المنظّم للأقصى؟.

قد يكون الدافع وطنياً بالنسبة الى المسيحيين الفلسطينيين الذين أظهروا التزاما وطنيا وقومياً مثالياً. أو قد تكون القناعة المسيحية قائمة على معادلة: القيامة بعد الأقصى. فلا بدّ من الدفاع عن المسجد لضمان عدم الوصول الاسرائيلي الى ​كنيسة القيامة​. لا يهم أياً تكن الأسباب، لكن المهم هو أن مطراناً مسيحياً والى جانبه رهبان يتصدّون مع الرعية للاعتداءات الاسرائيلية ويحبطون مخططات ​تل ابيب​، بينما غالبية مسلمي العالم يتخلون أو يقيمون علاقات علنية وسرية مع اسرائيل، أو ينشغلون بإبتداع أعداء آخرين، ويشعلون الفتن الطائفية والمذهبية بدلا من الالتفات لقدسية القضية المركزية.

هكذا يصبح مطران الارثوذكس في القدس يمثل الايمان والعقيدة والتعاليم الاسلامية أكثر من شيوخ الفتنة وتجار الدين. لأن في حراك "سيدنا" المطران حماية لمقدسات اسلامية ولإنسان وقضية ووطن وبيئة اجتماعية. هنا يُترجم ​المطران عطالله حنا​ ما قاله يوما ​الامام موسى الصدر​ عن الاديان، "انها كانت واحدة أتت لخدمة هدف واحد هو الانسان".

واجب على كل فلسطيني وعربي ومسلم ومسيحي توجيه التحية لمطران القدس عطالله حنا، والسير خلفه في حراك نبيل سيذكره التاريخ. هنا تسقط الفروقات والتباينات الدينية، وتُسحق الخلافات التاريخية تحت خطوات الرهبان. لقد استطاع المقدسيون فرض معادلة ستغيّر مجرى التعامل مع ​الاحتلال الاسرائيلي​. انها ​المقاومة الشعبية​ أبطالها المميزون مسيحيون وطنيون، وعناصر قوتها فلسطينيون لا قوة لهم الا تكاتفهم الوطني من اجل مسجد وكنيسة يشكلان تثبيتاً لحقوقهم في ارضهم.

لم تستطع كل الممارسات الاسرائيلية منذ ما قبل عام 1948، من نزع القضية الوطنية من قلوب وعقول الفلسطينيين، فتوارثوها أبا عن جد. الأجيال تتمسك بالأرض، ولا يضعف ايمانها تهجير ولا تنكيل ولا تضييق ولا استيطان. المقدسيون أثبتوا ان فلسطين حية بمسيحييها ومسلميها، من دون دوافع حزبية عقائدية دينية.

أتت قضية البوابات الإلكترونية في الاقصى لتثبت لتل ابيب ان نزاع المسلمين بين بعضهم في الساحات العربية طيلة ست سنوات، وتغذية الخلافات والمذهبيات والتكفير ومشاريع التقسيم لم تفرض على الفلسطينيين استسلاما. لا القضية تحميها "فتح" رغم نضالها التاريخي، ولا "حماس" التي انشغلت بساحات ​سوريا​ ومصر لسنوات. الشعب المقدسي هو الاساس. هو الاصل، ومصدر القوة.

درس فلسطيني يُعطى الان بمسيرات مسيحية يقودها مطارنه ورهبان لحماية المسجد الأقصى.

أين أنتم مسلمو العالم تتفرجون؟ هل استوعبتم الدرس الفلسطيني؟ أم ان الشعارات الفتنوية الفارغة تتغلب عليكم؟.

درس القدس، يلتقي مع درس الجرود الشرقية اللبنانية. حينما تقدّم فئة دماً وشهداء وتقاتل نيابة عن كل اللبنانيين لاعادة الارض الى اصحابها أهالي ​عرسال​. ولمنع اختراق السيادة اللبنانية. ما يعني الناس في الدرس الحدودي هو ان المقاومة تقتلع ارهابا ارعب اللبنانيين في سنوات مضت. فجّر وقتل وخطف من عرسال نفسها الى ​القاع​ المسيحية ورأس ​بعلبك​ الى ​بيروت​ وضواحيها، والآن آن اوان اقتلاعه نهائيا. لا تصح النكايات السياسية في هذا الموضع. هذا عيب يصل الى حد الخيانة الوطنية. هل كان المطلوب ان يبقى الارهابيون على مساحة حدودنا الشرقية؟ ام المطلوب فقط زج ​الجيش اللبناني​ في حرب عصابات؟ لماذا لا يعترف المشاكسون بأهمية ما تقوم به المقاومة في الجرود؟ اسألوا اهل عرسال، ومسيحيي ​البقاع​ الشمالي: هل تؤيدون عملية الجرود التي ينفذها ​حزب الله​؟ اسألوا مناصري القوات قبل غيرهم في ​رأس بعلبك​ والقاع. اسألوا الرهبان في كنائس شمال البقاع. اسألوا مناصري تيار "المستقبل" في ​الفاكهة​ وبعلبك. اسألوا المطارنه والمشايخ وسكان القرى الحدودية الذين عاشوا أرق الليالي طيلة ست سنوات مضت، عندما كان مسلحون تكفيريون يتحكمون بسلسلة جبلية طويلة مشرفة على بقاعنا، فيرسلون سيارات مفخخة ومعها انتحاريين، عدا عن خطف العسكر والمدنيين. كانوا يهددون بتكرار تجارب ساحات ​العراق​ وشمال سوريا، وبتهجير طوائف لبنان من شرقه الى بحره. لقد احبطت المقاومة المخطط واستطاع الجيش اللبناني تسجيل انجازات الصمود ومنع اختراق المناطق اللبنانية، و تنفيذ عمليات استخباراتية عسكرية ناجحة ضد الارهابيين.

في حركة مطران القدس عطالله حنا، عبرة، وفي عملية ​جرود عرسال​، درس. من يتعظ؟.