حدثان بارزان تصدرا واجهة الاهتمام السياسي والعسكري والإعلامي في كل من الأقصى الشريف وسلسلة جبال ​لبنان​ الشرقية.

انطلاقاً من الحدث الأول فإن العملية الاستشهادية التي قام بتنفيذها ثلاثة من عائلة الجبارين في باحة الأقصى وهم من منطقة أم الفحم المسماه مناطق 1948 على الرغم من إجراءات الاحتلال المشددة ما شكل تحدياً جدياً لسلطات الاحتلال وإجراءاته الأمنية.

صحيح أن نجاح العملية الاستشهادية من ​فلسطين​يي الداخل كما يحلو للبعض تسميتهم لفت انتباه العالم لأنه الحدث بحد ذاته جاء من خارج السياق نظراً للحواجز والإجراءات الإسرائيلية المعقدة، بيد أن اللافت في الأمر والأهم من العملية بحد ذاتها هو ما تلا العملية الاستشهادية من تضامن فلسطيني بشكل عام وتكاتف المقدسيين مسلمين مع المسيحيين درة هذا المشرق العربي اجتمع فيه القرآن مع الإنجيل صفاً واحداً في مشهد رائع تجلى رفضاً للإجراءات التي نفذتها السلطات الصهيونية في باحة الأقصى في محاولة إسرائيلية لفرض واقع جديد يهدف إلى الإطباق على مدينة ​القدس​ برمتها تمهيداً لتهويدها.

لكن الانتفاضة المقدسية ضد محاولات العدو الصهيوني شكلت منعطفاً مهماً وإستراتيجياً بكل المقاييس في مسار ​القضية الفلسطينية​ بشكل عام وفي ​مدينة القدس​ بشكل خاص.

إن الانتفاضة المقدسية أسهمت بتعرية النظم العربية المتخاذلة الطامعة بتطبيع العلاقات مع عدو فلسطين وعدو الأمة، فالردود الخجولة والمتأخرة من النظم العربية و​جامعة الدول العربية​ ومنظمات المؤتمر الإسلامي ورابطة ​العالم الإسلامي​ إضافة إلى ما يسمى لجنة القدس المنبثقة عن مؤتمر ​الرباط​ وحتى ​الأزهر​ كلها لم تكن بمستوى هول الحدث في الأقصى الذي ترك وحيدا يستغيث لكسر القيود المفروضة من سلطات الاحتلال لكن من دون مغيث.

المقدسيون قالوا كلمتهم رفضوا ورابطوا واتحدوا ضد أي إجراء من المحتل وقلبوا المعادلة.

إسرائيل أُربكت ووجدت نفسها أمام بحر من البشر هائج منتفض استطاع رسم الخطوط الحمراء بوجه العدو الإسرائيلي على الرغم من هوان الأنظمة كاشفاً ما يعتور النظم الرجعية وتخاذلها تجاه القضية الفلسطينية إلا أن تراجع حكومة العدو عن الإجراءات الأمنية في باحة الأقصى أثبت أن الكلمة الفصل تبقى بيد ​الشعب الفلسطيني​ المنتفض وهو ما شكل نقطة تحول مهمة لها ارتدادات إستراتيجية نستطيع البناء عليها في فرض واقع فلسطيني مهم إضافة إلى إمكانية إفشال أي تسوية عربية أميركية صهيونية مذلة قادمة وإفشال أي محاولة إسرائيلية هادفة إلى تهويد القدس.

ارتدادات الزلزال الفلسطيني أدت إلى تراجع العدو وانكسار جبروته لأول مرة منذ 1993 تاريخ اتفاقية أوسلو المشؤومة مع رموز السلطة الفلسطينية المتخاذلة وهذا التراجع والانكسار من شأنه إصابة حكومة العدو بالتصدع ومزيد من الانشقاقات على مختلف المستويات السياسية ما يعني أن الشعب الفلسطيني المتكاتف يبقى صاحب الكلمة الفصل.

أما في الحدث الثاني الأبرز الذي أصاب العدو الإسرائيلي بنكبة حقيقية فهو الانتصار الإستراتيجي الذي استطاع رجال المقاومة اللبنانية تحقيقه في تحرير سلسلة جبال لبنان الشرقية من التنظيمات ​الإرهاب​ية المتمثلة في ​جبهة النصرة​ وأخواتها التي تمتلك تحصينات وأنفاقاً جبلية لا تمتلكها جيوش نظامية، هذه التنظيمات الإرهابية التي وصفت بأنها ​الجيش الإسرائيلي​ الرديف نظراً للتجهيزات والمعدات الإسرائيلية التي كانت بحوزة تلك التنظيمات فضلاً عن الدعم العسكري واللوجستي الإسرائيلي المقدم لتلك التنظيمات بهدف استنزاف وإشغال محور المقاومة.

وفي المعلومات الأكيدة أن التنظيمات الإرهابية علمت بنية المقاومة اللبنانية في القيام بعملية عسكرية جراحية لإنهاء وجود التنظيمات الإرهابية الشاذ في تلك المنطقة الوعرة الذي بات يشكل تهديدا مباشراً على الأمن القومي اللبناني، وفور التأكد من اقتراب موعد العملية العسكرية توجه قادة التنظيمات الإرهابية برسالة تطلب فيها الدعم العسكري الإسرائيلي المباشر فور بدء المقاومة عملية الهجوم.

إلا أن المقاومة اللبنانية أرسلت تحذيراً للعدو الإسرائيلي غير مباشر وعبر جهة أوروبية مضمونه نحن نريد إبعاد خطر الإرهاب عن أرض الوطن لبنان وفي حال تدخل العدو الإسرائيلي لمنع عملية المقاومة العسكرية للحفاظ على وجود الإرهاب في مناطقنا فإن المقاومة تعتبر التدخل الإسرائيلي إعلان حرب وفي هذه الحالة فإن الجبهات من ​الجولان​ السوري حتى ​الناقورة​ في لبنان ستكون مشتعلة في وجه العدو وعليه تحمل تبعات التدخل.

إسرائيل المردوعة وقفت متفرجة وفوجئت منبهرة مذعورة من سرعة تنفيذ مهمة المقاومة ونجاحها في العملية العسكرية واختارت الانكفاء وترك حلفائها لمصيرهم كعادتها وذلك لإنقاذ نفسها من هزيمة محتمة.

رئيس أركان العدو «بيني غانتس» وفي اجتماع المجلس الوزاري المصغر قال بات لزاما علينا إعادة حساباتنا لأن المقاومة اللبنانية أضحت قوة رادعة لا يمكننا الانتصار عليها في المدى المنظور ويجب أن نعترف بذلك.

إسرائيل هُزمت باعتراف قيادات عسكرية وسياسية وبات العدو الإسرائيلي مذعوراً من انتفاضة الداخل الفلسطيني ومن قوة وتفوق المقاومة اللبنانية الذي شكل تحولاً إستراتيجياً لافتاً سيبقى ماثلاً أمام العالم وعاملاً رادعاً للعدو لعقود قادمة، وإذا ما أضفنا صمود سوريه الأسطوري فإن العدو الإسرائيلي بات يعيش مدركاً أنه إذا الشعب يوماً أراد المقاومة فلا بد أن يستجيب الانتصار ولابد من كسر جبروت المحتل والاستجابة لإرادة الشعب.