الديبلوماسي الأوروبي إتصل، أمس، داعياً نفسه الى «فنجان قهوة» وقبل الرشفة الأولى بادرني قائلاً: لفتني في مقالاتك الأخيرة انك تكاد تتفرّد في رفع الشعار «إخراج» داعش.. من الأراضي ال​لبنان​ية (في الجرود) بحل سلمي يأتي عبر المفاوضات... حتى إذا تعذّر ذلك كان «آخر الدواء». وسأل: لماذا تصرّ على المفاوضات؟ أجبته: حقناً للدماء، وأنا واثق من قدرات جيشنا اللبناني. ولكن ثمن المعركة التي سينتصر فيها الجيش حتماً سيكون باهظاً.

فسألني: هل لديك معلومات عن «حركة مفاوضات»؟ أجبت: لست مطلعاً على أي شيء في هذا المجال. فقط أنا أدعو الى حقن الدماء اذا كان ذلك ممكناً، ولو بصعوبة كبيرة.

قال: وأين تكمن الصعوبة؟ قلت: تكمن في معطيات عديدة أبرزها قاطبة ان الجيش، على ما اعرف ليس في وارد أن يفاوض جماعة من الإرهابيين اعتدوا عليه، وأصلاً هم معتدون على الوطن كله من خلال إحتلالهم اراضٍ لبنانية، وخطفهم مجموعة من الجنود اللبنانيين الذين...

قاطعني: أعرف رأيك وقد قرأته مراراً في «الشرق» بتحميلك مسؤولية إختطاف الجنود إلى فريق لبناني عسكري / مدني كان في السلطة ذلك الثاني من آب المشؤوم. ولكن ليس مطلوباً من الجيش أن يفاوض، بل يتولى التفاوض طرف لبناني آخر. قلت: في تقديري أن «داعش» ليس في وارد المفاوضات التي يفترض ان تنتهي بخروج مسلّحيه من الجرود. ويبدو أنّ ليس لدى هذه الشراذم مكان يتوجهون إليه باستثناء منطقة ​دير الزور​ في الداخل السوري، والإنتقال الى هناك محفوف بالمخاطر الجدية، خصوصاً وان هذه المنطقة مصيرها مطروح عملياً، وقد لا يصمد فيها «داعش» طويلاً، إذا أخذنا الأمور بسياقها من ​الموصل​ الى جرود ​بعلبك​ و​القاع​ مرورا ب​جرود عرسال​.

قال: بما أنّ الوضع كذلك، فعلامَ تبني مطالبتك المتكررة باعتماد المفاوضات قبل قرار الحسم العسكري؟!. قلت: أولاً موقفي مبدئي من الحروب والاقتتال وسفك الدماء. ثانياً أنا ارى ان مدير عام ​الامن العام​ ​اللواء عباس إبراهيم​ لديه من شبكة علاقاته الواسعة الإقليمية والدولية التي يوظفها في خدمة لبنان ما يمكّنه من إيجاد جهة تتولّى المفاوضات غير المباشرة بين السلطة اللبنانية والإرهابيين. ثالثاً صحيح ما قلت قبل قليل إنّ الذهاب الى الداخل السوري محفوف بالمخاطر، ولكن الأكثر صحّة أنّ عدم الخروج من الأراضي التي يحتلها «داعش» في لبنان خاتمته معروفة وهي سقوط هذه الشراذم الداعشية المسلّحة سقوطاً مدوياً. لذلك عليهم أن يختاروا أهون الشرّين وهو مغادرة لبنان.

وسأل: هل تظن أن المعركة محسومة لمصلحة ​الجيش اللبناني​؟ أجبت: من دون أدنى شك، ولا يفوتني أن أشير الى أنّ ظروف المعركة مع داعش أصعب منها مع النصرة. فإرهابيو هذا التنظيم أكثر شراسة من إرهابيي النصرة، ورقعة تواجدهم توازي ضعفي الرقعة التي كانت النصرة تحتلها في لبنان، ولكن جيشنا مدرّب تدريباً مشهوداً له به، وقيادته وضباطه ورتباؤه وعناصره جميعاً لديهم قضية وطنية يدافعون عنها عكس شراذم ومرتزقة التنظيم. ثم انّ لبنان كله وراء الجيش.

قال: سؤال أخير: متى؟

قلت: هذا قرار لا يملكه إلاّ القائد العماد جوزف عون الذي أكد، أمس، في «امر اليوم» عشية عيد الجيش أن هذا الجيش وحده هو الذي يرسم الخطوط الحمر.