انتهى أسامة بن لادن جثة في البحر. هكذا قال لنا الرئيس الاميركي السابق ​باراك أوباما​ ونحن صدقنا ولم نرَ الجثة. قيل لنا ان الجثة رُميت في البحر، فغرِقت معها آخر أخبار "القاعدة"؛ أخطر تنظيم إرهابي في العصر الحديث.

مات بن لادن؛ فانطفأ موضوع مصادر تمويل "القاعدة". بعدَه، انتهى ​الأردن​ي "​أبو مصعب الزرقاوي​" مؤسّس "القاعدة" في ​العراق​ جثة في العام 2006 بعد أن قُتِل بغارة جوية أميركية.

خلَفه أبو أيوب المصري وقرر في العام نفسه حل ​تنظيم القاعدة​ في العراق وأَسّسَ ​تنظيم داعش​ الارهابي في العراق .يضم جنسيات متعددة وهو ليس الوجه الآخر الا لـ"القاعدة "نفسها. قُتِل المصري في العام 2010. عُيِّن ​أبو بكر البغدادي​ أميراً مكانه. أصدر أوامره لأنصاره في ​سوريا​ لتأسيس فصيل له يدعى "​جبهة النصرة​ لأهل الشام" بعد خلافات مع زعيم "النصرة" ​أبو محمد الجولاني​، أعلن البغدادي أن جبهة النصرة هي جزء من "تنظيم الدولة في العراق"؛ وأطلق اسم"تنظيم الدولة في العراق والشام". انفصل عنه الظواهري بعد رفض منح جبهة النصرة استقلالها؛ وبدأت معارك داعش-النصرة. بدّلت جبهة النصرة تسميتها الى "جبهة ​فتح الشام​".

اليوم، يتردّد أنّ قائد تنظيم "داعش" في العراق أبو بكر البغدادي الذي نصب نفسه في ​الموصل​ خليفة ما زال على قيد الحياة. تنافست سيناريوهات مقتله؛ لكنها كلها لم تؤكَّد. اختفى أبو بكر البغدادي. اختفى أبو محمد الجولاني.

في أيار من العام الحالي، أعلنت ​وزارة الخارجية الأميركية​ تخصيص عشرة ملايين دولار كجائزة لمن يدلي بمعلومات حول مكان تواجد الجولاني.

أُعلِنت إذاً رسمياً الحرب على جبهة النصرة.

تطورات ميدانية في سوريا واحداث اقليمية خليجية كما تفاهمات روسية أميركية؛ فرَضت ساعة الحسم.

هنا، في ​جرود عرسال​ احتلّ أبو مالك التلّي التلال.

انه زعيم جبهة النصرة في ​القلمون​ الغربي و​لبنان​. محاصر مع مسلحيه في جرود عرسال ويفاوض على أسراه وموقوفين في ​سجن رومية​ مقابل تسليم أسرى وجثامين ل​حزب الله​. يريد تارة الخروج الى ادلب السورية و​جرابلس​؛ وطوراً يطلب السفر جوا الى ​تركيا​.

يُقال أنّ أبو مالك التلّي يؤمن بمرجعية الشيخ محمد راتب النابلسي المقيم في الأردن منذ العام 2011 وليس بمرجعية أبو محمد الجولاني. تتناقل منذ فترة بعض الأخبار حول وفاة النابلسي؛ ليتم نفيها لاحقاً.

أبو مالك التلي​ يصعّد بمطالبه وشروطه؛ يتنقّل من موقع لآخر. تم تحرير االمغاور التي بناها وقطَنها. ولكن، حتى الساعة؛ أبو مالك التلّي تبخّر.

من الواضح أنّ بعض المعارك المقبلة في سوريا والعراق بعد هزيمة وتطويق داعش هناك؛ وبعد هزيمة جبهة النصرة في مناطق عدّة في سوريا وأيضاً في جرود عرسال؛ ستكون شبيهة بما كان معضلة البحث عن أسامة بن لادن.

البغدادي، الجولاني، وبينهما أبو مالك التلّي، وغيرهم... عنوان المرحلة المقبلة. لن تنتهي حقبة تسميات تلك التنظيمات ​الإرهاب​ية وحقيقة مَن خلفهم من دول وتمويل إلا عند القضاء على قيادييهم. هكذا تُطوى حكايتهم عبر التاريخ. فشِل مشروع الإرهاب في المنطقة رغم الدماء والدمار.

إنّ قتل هؤلاء وإظهار جثثهم ربما يكون درسا لكثيرين في المستقبل لكنه لا يعني أبدا نهاية الإرهاب، إنما نهاية لبعض أدواره، التي رُسمت في غرف مغلقة. تنتهي الأدوار حين تنتهي المصالح. لكن ثمة مصلحة لا تزال مستمرة عند البعض بالتقسيم والتخريب وضرب المقاومة. ما تغيّر أن الإرهاب ضرب بعض صانعيه فكان لا بدّ من تبدّل الخطط. وأكثر ما تغيّر أن ميدان المعارك فاجأ كثيرين وقلَبَ موازين القوى.

المرحلة المقبلة لا شك فيها الكثير من المعارك والغارات الجوية، ثمة مَن سيصطنع بطولات على حساب أبطال دفعوا الدماء، جثث تختفي، جثث تظهر، أسماء تزول، وننتقل لفصل آخر.