خطفت معركة جرود ​عرسال​ الأضواء من السجال الذي كان قائماً على الساحة ال​لبنان​ية حول أزمة النازحين السوريين، لناحية المطالبة بالتنسيق مع ​الحكومة السورية​ من جانب قوى الثامن من آذار، ورفض هذا الأمر من جانب قوى الرابع عشر من آذار، بحجة عدم منح تلك الحكومة "الشرعية"، بالرغم من أنها لا تزال تحظى بالإعتراف الرسمي من جانب ​الأمم المتحدة​، كما أن ​العلاقات اللبنانية السورية​ لم تنقطع يوماً، حيث لا يزال السفير ​علي عبد الكريم علي​ يمثل مصالح ​الدولة السورية​ في لبنان.

حتى الساعة لم تتغير مواقف القوى السياسية من هذا الملف، لكن الجديد هو ما أكده الإتفاق الذي تم مع عناصر جبهة "النصرة" المتمركزين في جرود بلدة عرسال والجانب اللبناني، لا سيما بالنسبة إلى البند المتعلق بإخراجهم من الأراضي اللبنانية، مع من يريد من النازحين السوريين، إلى محافظة ادلب السورية، نظراً إلى أن هذا الأمر لم يكن ليتم لولا التنسيق مع دمشق، التي تتولى جزءاً مهماً من هذا الإتفاق، يتضمن موافقتها على عبورهم الأراضي السورية باتجاه ادلب من جهة، وعلى ضمان أمنهم خلال هذا العبور من جهة ثانية.

إنطلاقاً من ذلك، تعود مصادر مطلعة في قوى الثامن من آذار، عبر "النشرة"، إلى السؤال عن الأسباب التي تمنع ​الحكومة اللبنانية​ من الإقرار بهذا التعاون، بالرغم من أنه يحصل عبر مسؤول أمني رسمي هو مدير عام ​الأمن العام​ ​اللواء عباس إبراهيم​، وتشدد على أن رفض الجانب السوري التعاون لإنجاز هذا الإتفاق كان سيحول دون تنفيذه.

وتشير هذه المصادر إلى أن الأجواء المحيطة بهذا الإتفاق تؤكد وجود شبه إجماع على المهمة التي يقوم بها اللواء إبراهيم، والتي تضمنّت التنسيق مع الجانب السوري، وبالتالي كل المواقف السياسية التي قد تنفي أو تتجاهل هذا الواقع تشبه إلى حد بعيد عملية الإختباء وراء الأصبع، وتلفت إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يحصل فيها هذا الأمر، بل سبقها التعاون أو الإتصال خلال المفاوضات التي أدت إلى إستعادة جثامين المجموعة المسلحة التي إنتقلت من لبنان إلى بلدة تلكلخ السورية، بالإضافة إلى عمليتي الإفراج عن ​المخطوفين اللبنانيين​ في أعزاز وراهبات دير سيدة معلولا.

من وجهة نظر هذه المصادر، لا يمكن الفصل بين التنسيق الذي يقوم به مدير عام الأمن العام مع الجانب السوري، وذلك المطلوب من الحكومة اللبنانية لمعالجة أزمة النازحين السوريين، لا سيما أن دمشق لا تضع عراقيل أمام هذا الأمر، وترى أن هناك مصلحة وطنية بالعمل على فتح قنوات إتصال فاعلة لإنجاز هذه المهمة، خصوصاً أن تداعيات هذه الأزمة أكبر من تلك التي كانت تمثلها "النصرة" في ​جرود عرسال​، وتسأل: "ما الذي يحول دون تكليف اللواء إبراهيم في هذا الأمر أيضاً طالما أنه يحظى بثقة أغلب القوى السياسية، لا سيما أن بعض المعلومات كانت قد تحدثت عن هذا التوجه بعد جلسة ​مجلس الوزراء​ الشهيرة التي بحثت ملف ​النزوح السوري​ في لبنان"؟.

وعلى الرغم من هذه الوقائع، لدى مصادر مطلعة في قوى الرابع عشر من آذار رؤية مختلفة كلياً، اذ بالنسبة لها ما حصل في جرود عرسال حالة محددة مختلفة بشكل كلي عن ​ملف النازحين السوريين​، وتشير إلى أن النازحين الراغبين بالذهاب إلى أدلب إختاروا هذا الأمر بإرادتهم، وتؤكد بأن هذا الأمر ينطبق على أي نازح يريد العودة إلى ​سوريا​، وتضيف: "لا أحد يمنع أي سوري يريد المغادرة لكن لا يمكن إجبار أحد على ذلك".

وتشدد هذه المصادر، عبر "النشرة"، على أن موقفها لا يزال نفسه، لناحية ضرورة التنسيق مع الأمم المتحدة من أجل تحقيق العودة، نظراً إلى أن لبنان لا يمكن أن يغامر بعلاقاته مع المجتمعين العربي والدولي عبر التواصل مع دمشق، خصوصاً أن مثل هذه الخطوة تحتاج إلى جهة ضامنة لا يمكن أن تكون الحكومة السورية، بالإضافة إلى تأمين مناطق آمنة لمن يريد العودة، لا سيما أن القسم الـأكبر قد لا يرغب بالعودة إلى أماكن تقع تحت سيطرة النظام، رافضة الحديث عن ضغوطات تمارس لمنع هؤلاء من العودة أو تشجيعهم على البقاء، وتضيف: "لا أحد يرغب في بقاء النازحين أو توطينهم لكن الخلاف هو على الوسيلة".

في الختام، تؤكد المصادر المطلعة في قوى الثامن من آذار أن هذه المسألة ستعود إلى الواجهة من جديد بعد الإنتهاء من عملية تحرير الجرود اللبنانية، وتشير إلى أن رفض بعض القوى المحلية التنسيق مع الجانب السوري يعود إلى الفيتوات الموضوعة من قبل قوى إقليمية داعمة لها، وتشدد على أن عودة النازحين إلى أي منطقة يختارونها من الممكن أن تتم بالتنسيق مع دمشق، وتلفت إلى أن هذا ما حصل بالنسبة إلى من أراد الذهاب إلى أدلب برفقة مسلحي "النصرة".