تلقى لبنان منذ قرابة الاسبوعين رسالة من الخارجية ​الكويت​ية تتضمن انتقاداً ل​حزب الله​ واستياء مما اعتبره الكويتيون محاولة من الحزب لتهديد امن البلاد واستقرارها، كما طالبت الكويت ​الحكومة اللبنانية​ بممارسة مسؤولياتها لوقف هذه التصرفات غير المسؤولة.

لا شك ان المضمون غير اعتيادي، فالكويت عُرفت دوماً بدبلوماسيتها الفائقة والتي اهّلتها للعب دور"الوسيط" في اكثر من مناسبة خلال الخلافات بين ​الدول العربية​ ولعل الازمة الاخيرة بين ​دول الخليج​ وقطر خير دليل على ذلك. وهذا الامر اثار تساؤلات عديدة حول الغاية من هذه اللهجة العالية والتداعيات التي يمكن ان تحصل، فضلاً عن التوقيت الذي تمر به المنطقة ولبنان بشكل خاص.

ووفق مصادر واسعة الاطلاع، فإن الرسالة اتت بعد ان تعرضت الكويت لضغوط خليجية من اجل الوقوف في جهة منتقدي ​ايران​ والمطالبين بتحجيم دورها على الساحة الاقليمية والدولية، ولو عبر حزب الله. وتشير المصادر نفسها الى ان المطلوب كان اقوى بكثير، وان الكويتيين، وبحكم ما عرف عنهم من دبلوماسية ورغبة في ابقاء الانفتاح مع الجميع، يحاولون التخلص من احراج كبير وجدوا انفسهم امامه، وقوامه الاختيار بين ايران والخليج مع كل ما يعنيه ذلك من نهاية ​مجلس التعاون الخليجي​ الذي بات على المحك، وهذا يعني من جهة ثانية ان وضع ​الدول الخليجية​ برمّته قد يطرق باب الغموض والمجهول.

لذلك، وتفادياً لهذه المواجهة غير المرغوبة من قبلها، رأت الكويت في مضمون هذه الرسالة تصرفاً مناسباً وكافياً في الوقت الحالي لارضاء الجهات الخليجية من جهة، وعدم كسر الجرّة مع لبنان وايران من جهة ثانية.

اما على الصعيد اللبناني، فرأت المصادر ان الكويت تدرك جيداً وضع لبنان وموقع حزب الله فيه، وان الصراع لا يتعلق بالحزب والدولة او بالحزب والخليج، بل بالعلاقات الايرانية-السعودية في المقام الاول، وعليه، فإن الكويتيين يعرفون تماماً ان لبنان ليس بوارد خوض مواجهة او حرب داخلية ارضاء لاحد، وبالاخص في هذه الفترة الحرجة التي يحاول فيها طرد الجماعات والمنظمات الارهابية من اراضيه، والسلطة الكويتية لا تنتظر ان يضغط لبنان على حزب الله، انما تنتظر ان "يجاريها" لبنان في اصدار موقف ما يضعها في مكان تحفظ فيه ماء الوجه امام الخليجيين. كما ان الكويت لا ترغب في المقابل، في تغيير استراتيجيتها السياسية القائمة على "استقلالية" قراراتها في علاقاتها الخارجية وعدم اللحاق بشكل كامل بما تفرضه الدول الخليجية (وتحديداً السعودية)، فتعادي الكويت كل من يعادي ​الرياض​ وتتحالف مع كل من تتحالف معه المملكة، لانه عندها ستذوب شخصيتها التي جاهدت لبنائها بعد تحريرها من الغزو العراقي وحتى اليوم، فتصبح كدول خليجية اخرى تكتفي بتنفيذ القرارات السعودية (على غرار ​البحرين​ والامارات).

اما ما قاله رئيس ​القوات اللبنانية​ ​سمير جعجع​ من ان الرسالة ستكون مدار بحث في ​مجلس الوزراء​، فشككت المصادر في الوصول الى قرار حول الموضوع اذا ما تم طرحه، خصوصاً وان الحكومة قررت وضع الامور الخلافية جانباً وهذا ما قاله بوضوح رئيس الحكومة سعد الحريري في ​واشنطن​ تحديداً، وليس هناك من احد يرغب في التفريط بما تحقق وما ينتظر ان يتحقق من امور، مع الاشارة الى ان القوى الكبرى لن تغض النظر عن اي محاولة من شأنها زعزعة الاستقرار اللبناني في هذا الوقت بالذات.

وازاء كل ما تم ذكره، توقعت المصادر ان يعمل لبنان على "تهدئة الخواطر" الكويتية، دون اصدار موقف رسمي وان تأخذ المسألة طريقها شيئاً فشيئاً نحو التهدئة بموافقة لبنانية وكويتية مشتركة، وبرضى اقليمي ودولي، مع طمأنة الكويت ان لبنان لن يعمل ضدها ولن يكون منطلقاً لتهديد امنها واستقرارها في اي وقت كان.