خلال الجولة التي نظمها ​حزب الله​ للاعلاميين في الجنوب في نيسان الماضي، ظهر وللمرة الأولى أحد ضباطه بوجه مكشوف على شاشات الكاميرات المحلية والعالمية متحدثا بطلاقة عن الوضع على الحدود الجنوبية. يومها كان يمكن الحديث عن سابقة في تاريخ الحزب الذي واظب على العمل سرا، فأخفى هويات قيادييه كما تحاشى الكشف عن وجوه عناصره الذين لطالما كانت تتم تغطيتها خلال المناسبات والاحتفالات كما خلال مختلف المعارك التي خاضوها ان كان في الداخل او على الحدود او في ​سوريا​.

في الأسابيع القليلة الماضية وبالتحديد بعد ​معركة جرود عرسال​، بدا ان هناك سياسة مختلفة انتهجها الحزب تقول بنزع الأقنعة والتحرك على المكشوف، بما يُمهد لمرحلة جديدة شاهدها اللبنانيون وتلمّسوا بعضا من ملامحها. مرحلة يقول مناصرو الحزب و"محور المقاومة" أنّها "مرحلة استثمار الانتصار الذي تحقق في سوريا"، فيما يعتبر معارضوه انّها "تُمهد لحل دولي للأزمة السورية تعيد الحزب الى الداخل اللبناني الذي قد يجد صعوبة باستيعابه مجددا بعدما تحول لقوة اقليمية تفوق حجم ​الدولة اللبنانية​ ككل".

ولعل المشاهد التي واكبت الجولات الاعلامية المتتالية التي نظمها الحزب في الجرود وفي الكهوف التي كان يتخذها ارهابيو "​جبهة النصرة​" مقرات لهم، حيث لم يُظهر عناصر الحزب أي حرص على اخفاء وجوههم حتى امام عدسات كاميرات وكالات عالمية يعلمون تماما انّها لن تستخدمها لتلميع صورتهم، كما الآليات والعتاد العسكري المتنوع الذي ظهر خلال عملية تنفيذ الاتفاق مع "النصرة" لنقل مسلحيها الى ادلب، وصولا للكشف عن وجوه الأسرى الـ3 الذين كانوا قد ضلوا طريقهم والذين هم ايضا لم يترددوا بالحديث الى وسائل الاعلام، كلها مؤشرات وان تم تجميعها تؤكد انتقال حزب الله الى مرحلة غير مسبوقة قد تمهّد لانخراط في الدولة لم تتضح معالمه بعد. وفي هذا السياق تقول مصادر متابعة للملف ان "معركة جرود عرسال والمعركة المرتقبة ضد "داعش" في ​جرود رأس بعلبك​ و​القاع​، فرضت واقعا جديدا بتنسيق مكشوف وان كان لا يزال غير معلن بين قيادي ​الجيش اللبناني​ وحزب الله"، لافتة الى انّه "وبالرغم من ذلك ظل اصرار الطرفين على تفادي احراج احدهما للآخر، وبالتالي تحاشي الاقرار بالتعاون المتواصل بينهما، الا ان اي عنصر جديد على العمل العسكري والأمني يعي تماما حجم التنسيق الحاصل والذي أثمر أخيرا انهاء وجود النصرة بحد أدنى من الخسائر والأهم بتجنيب الداخل اللبناني أي تداعيات تُذكر".

وتشير المصادر الى ان "ما يحصل في الجرود أرسى استراتيجية أمر واقع تقول بالتكامل بين الجيش وحزب الله، قيُقدم الحزب حين يكون قادرا ويحمي ظهره الجيش، والعكس صحيح". ويرفض تيار "المستقبل" جملة وتفصيلا الرضوخ لاستراتيجية مماثلة، او لمجرد فكرة شرعنةالتنسيق بين الجيش والحزب، وهو وان كان يبدو متفهما وهادئا هذه الفترة، فلأنه يترقب اكتمال المشروع الاقليمي-الدولي الذي يتم وضعه لسوريا والذي سيلحظ في احد بنوده الرئيسية مصير ودور حزب الله في المرحلة المقبلة​​​​​​​.

بالمحصلة، ومهما كانت ملامح الخطة التي سيُفرض تطبيقها في سوريا والتي على الأرجح سترسو على نظام كونفدرالي، الا ان ما هو مؤكد أن حزب الله يستبق هذه المرحلة موسعا حركته كما مروحة خياراته لحد أنّه يبدو الطرف الأقوى أقله على مستوى الداخل اللبناني والاكثر قدرة على فرض شروطه.