لا يختلف اثنان على ان المنظمات الارهابية باتت تعيش ايامها الاخيرة في المنطقة، بعدما تم الاتفاق على انهاء دورها في الدول التي شهدت نموها المضطرد والذي انتشر كسرعة البرق ووصل الى انحاء العالم. ها هي "​جبهة النصرة​" و"داعش" وغيرهما من المنظمات الارهابية تحتضر، ولا يتغيّر الوضع في ​لبنان​ بل على العكس فهو شهد سقوطها بطريقة أسرع بكثير من الدول المجاورة لسببين رئيسيين: الاول ان هذه المنظمات لم تستطع التمدد والسيطرة على مساحات جغرافية كبيرة تعتبرها ملاذها الآمن وتنطلق منها الى بلدات وقرى اخرى. اما السبب الثاني فيعود الى ان صغر مساحة لبنان ساعدته في هذا المجال على سيطرة ​الجيش اللبناني​ والقوى الامنية على هذه المنظمات، مدعومين بطبيعة الحال من ​حزب الله​.

من المنصف القول ان "داعش" ومن لفّ لفيفها من الارهابيين، تمتعوا بأفضلية دائمة في السابق جعلت منهم اشبه بأسطورة، ودفعت الكثيرين الى الخوف واعتبارهم اناس خارقون، وليس في الامر في الامر مبالغة اذا قلنا انهم كانوا يكسبون معاركهم حتى قبل خوضها، وذلك بفضل استراتيجية ذكية اعتمدوها قامت على البروباغندا الاعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي واظهرت تعطّشهم للاجرام وبطشهم... ومن منا لا يذكر عمليات قطع الرأس والتفنن بإعدام من يقع فريستهم، ناهيك عن السبي واعادة احياء "سوق النخاسة" وغيرها من الامور الكفيلة بجعل كل من يرغب في مواجهتهم ان يتردد وربما يتراجع عن قراره.

وبالفعل، شهدنا في مختلف انحاء الدول المجاورة كيف كان "الداعشيون" يربحون مواجهاتهم العسكرية حتى قبل خوضها بفضل سلاحهم الاعلامي، ولم يكن باستطاعة احد مقارعتهم في هذا المجال لاسباب لا تزال مجهولة... ولكن معركة "عين العرب" (او كوباني) فضحت المستور واثبتت ان عناصر هذا التنظيم ليسوا بخارقين انما يعتمدون على ركوب موجة اعلامية تقضي على الشجاعة في النفوس قبل المواجهة الميدانية، وانهم مقاتلون كغيرهم وانهم عرضة للخسارة في اي وقت وزمان.

وفي عودة الى الاحداث التي شهدها وسيشهدها لبنان، وقبل بداية المواجهات في ​جرود عرسال​، عرف حزب الله كيف يستغل السلاح الاقوى لـ"جبهة النصرة" وجعلها تخسر المواجهة قبل ان تبدأ بفضل استراتيجية اعلاميّة ناجحة، فيما كانت ​الاخبار​ والصور والفيديوهات التي توثق تقدم مقاتلي الحزب على الجبهات تنتشر كالنار في الهشيم عبر الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. وهذا الامر اعطى المعنويات ليس فقط للمقاتلين، انما ايضاً للناس فيما أثّر سلباً بمعنويات الارهابيين، ولا شك ان هذا العامل كان اساسياً ايضاً في حسم معركة الجرود بالسرعة التي حصلت فيها.

اليوم، يجد الحيش اللبناني نفسه امام مواجهة مع "داعش" في ​القاع​ و​رأس بعلبك​، وعلى الرغم من صعوبة المهمة عسكرياً، الا انه مدعو الى لعب الاستراتيجية الاعلامية نفسها، على الرغم من عدم تحبيذه هذا الامر كونه جيش نظامي، الا ان حسم المعركة اعلامياً من شأنه ان ينعكس ايجاباً على اللبنانيين وجيشهم، وهذا الامر لا يقلل من تضحيات الجنود والضباط، او من المعارك التي خاضها عناصر حزب الله، ولكنه يلعب دوراً مكمّلاً لا يمكن الاستهانة به.

الكل يتحضر لمعركة القاع ورأس بعلبك، والمعركة حسمت قبل بدايتها لصالح الجيش، ومن الممكن ان يشكل ذلك سبباً اكبر لـ"داعش" كي تتفاوض وتبقي على ما يمكن ابقاءه بدل ان تعمد الى "الانتحار"، فيما لن يعارض اللبنانيون تحرير ارضهم من خلال المفاوضات لانها ستجنب، اذا نجحت، سقوط شهداء من الجيش دمهم اغلى واثمن بكثير من دماء ارهابيين لا يرغب احد بهم ولا يملكون من يخاف عليهم او يسأل عنهم، فهم مجرد دمى تحركهم خيطان خارجية سرعان ما ينتهي دورهم، فيما كل جندي وضابط يعتبر عضواً من جسم اللبنانيين، وله مكانته وقيمته الكبيرة.