في سياق خطة طلبها الرئيس العماد ​ميشال عون​ لإعادة ترتيب أوضاع المؤسسات العسكرية والأمنية، وخصوصاً قطع الطرق أمام تدخل الجهات السياسية في التطويع والتوظيف والإدارة العامة لهذه المؤسسات، باشرت ​قيادة الجيش اللبناني​ برنامج عمل، يشمل ضمناً، إعادة النظر في آليات عمل اعتمدت في المرحلة السابقة.

وأولى المفاجآت كانت في فضيحة رشوة وفساد يقف خلفها عسكريون ومدنيون، عملوا على التوسط لدخول عناصر ورتباء وضباط إلى الجيش. وجاءت الهزّة على خلفية ما يحصل في ​المدرسة الحربية​. وأدت التحقيقات الأولية التي بدأت قبل مدة قصيرة، إلى توقيف ضابط متقاعد في ​الأمن العام​ وستة مدنيين بجرم قبض عشرات آلاف الدولارات من أشخاص مقابل ضمان إدخال أبنائهم في السلك العسكري، غير أن التحقيق لم يُستكمل بعد. ويجري الحديث عن إقفال ملف التحقيق من قبل الشرطة العسكرية وإحالة الملف على ​النيابة العامة العسكرية​ من دون توقيف أي ضابط وعسكري في الجيش. لكن مصادر أخرى تقول إن قائد الجيش ​العماد جوزيف عون​، يريد السير بالتحقيقات حتى النهاية، وإنه حصل على دعم ​مجلس الوزراء​ والقوى السياسية كافة.

بدأت القصة بعدما رَسَبَ أكثر من أربعين تلميذ ضابط في امتحانات السنة الأولى. وهذه تُعدّ سابقة في الكلية العسكرية، إذ إن نسبة الرسوب لا تكاد تُذكر. وإثر ذلك، استنكر عدد من تلامذة الضباط الراسبين ما حصل، مدّعين أنّ عائلاتهم دفعت مبالغ طائلة مقابل تخرّجهم ضباطاً من الكلية الحربية.

على الأثر، فتحت قيادة الجيش تحقيقاً في مزاعم التلامذة الضباط الذين أكّدوا أنّ لديهم ضمانات بأنّهم دخلوا الكلية الحربية ليتخرّجوا منها ضباطاً مقابل مبالغ مالية دفعوها. وقد نجم عن التحقيق طلب قيادة الجيش توقيف رائد متقاعد في الأمن العام أحمد ج. كذلك أوقف كل من المدني مروان س. والمسؤول في جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية ربيع ش. الذي تربطه علاقة صداقة وثيقة بضابط سابق ذي رتبة عالية.

وعلمت «الأخبار» أن عدد التلامذة الضباط الذين أفادوا خلال التحقيقات بأنّهم دفعوا مبالغ مالية طائلة لأشخاص محددين، مقابل ضمان دخولهم إلى السلك العسكري، بلغ ثلاثة. واستُجوب أفراد من عائلاتهم، فذكر أحدهم أنّه دفع مبلغ ٢٠٠ ألف دولار إلى قريبه مروان س. كي يُدخل ابنه إلى الكلية الحربية. وأفاد تلميذ آخر بأنّ والده دفع مبلغ ٦٠ ألف دولار للرائد المتقاعد، لكنّ أحداً من هؤلاء لم يُقدّم أي دليل يُثبت مزاعمه.

يذكر أن قائد الجيش كان قد ألغى منذ فترة دورة مجندين، بعدما تبين أنّ رائحة الفساد تفوح منها. كذلك علمت «الأخبار» أن التحقيقات تشمل دورة رتباء في الجيش، وأن الحديث يدور حول تحقيق أشمل سيطاول غالبية ​القوى الأمنية​ والعسكرية، ولا سيما قوى الأمن الداخلي.

وتساءل مراقبون عمّا إذا كانت التحقيقات شاملة دون ضوابط. وقال هؤلاء: ألا يجتاز المرشحون خمس لجان من الضباط قبل قبولهم في الكلية الحربية؟ ماذا عن الضباط الستة في ​المجلس العسكري​ الذين يوقّعون على قبول إدخال التلميذ إلى الكلية الحربية؟ هل يُعقل أن يكون ستة مدنيين وضابط متقاعد وحدهم الذين أدخلوا من يملك المال إلى الكلية الحربية، ولا سيما أنّ الحديث عن تحديد تسعيرة لدخول العسكري والرتيب والضابط إلى السلك العسكري ليس جديداً؟ فهل يُعقل أن لا يكون هناك ضباط من صفوف ​المؤسسة العسكرية​ متورطون في قضية دفع رشوة لإدخال ضباط في السلك العسكري؟ ليصدف أن يكون معظم المشتبه فيهم مدنيين، فيما الضابط الوحيد الموقوف متقاعد من الأمن العام وليس الجيش، وسبق أن طُرِد بشبهة الفساد في عهد المدير العام الأسبق جميل السيد، ثم أعادته قوى 14 آذار بعد عام 2005 بقرار من ​مجلس شورى الدولة​، بذريعة وجود عَيب شكلي في قرار طرده!