عُقدت في ساحة النجمة أمس، جلسة عامة باهتة اتسمت بمزيج من الإنتاجية والفوضى. بدا النواب في هذه الجلسة كأن "لا خلق لهم على التشريع".

لم يقتصر الأمر على أصحاب السعادة فحسب، إنما طاول الأمر رئيس الحكومة ​سعد الحريري​. بدا دولته متجهّماً لا مزاج له في الانخراط في أيّ نقاش. إذ أمضى معظم وقته خارج القاعة العامة. تودّد النائب ​علي عمار​ إليه بأسلوبه، لم ينفع في إظهار البسمة على وجه الشيخ سعد. بقي وجهه عبوساً.

ما إن انتهت الجولة الصباحية التي كادت أن تفقد نصابها مع اقتراب الساعة الثالثة، حتى غادر بعض النواب من دون رجعة. استأنفت الجلسة المسائية عند السادسة مندون اكتمال النصاب. عددهم لم يتجاوز 55. استدعى ذلك تعليقاً من رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ "ما يحصل معيب. سأنتظر 10 دقائق إضافية فقط لاكتمال النصاب".

أتى كلام بري بعد أن أثار النائب ​أحمد فتفت​ "فقدان النصاب"، رداً على طرح الرئيس بري التصويت على التعديل المقدّم من وزير الداخلية على ترقية رتباء في قوى الأمن. ليوضع هذاالاقتراح جانباً أسوة باقتراحات لاحقة (ترقية مفتشين في المديرية العامة للأمن العام، إقرار يوم ذكرى المجاعة الكبرى، ومعاقبة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة). هذه الاقتراحات أرجىء التصويت عليها إلى الجلسة التي من المفترض أن تعقد يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين.

لا أسباب سياسية لعدم اكتمال النصاب. الغياب مردّه شهر آب. "سعاداتهم" يعتبرون هذا الشهر عطلة سنوية. لم يشبعوا من أيام العطل التي رافقت ​الفراغ الرئاسي​ المديد الذي انعكستعطيلاً لأعمال البرلمان.

الأكيد أنّ الممدّدين لأنفسهم ثلاث مرات اعتادوا على "ثقافة الكسل"، رغم أنّ جدول الأعمال يزخر بموضوعات حساسة ومهمة من الناحية التشريعية.

على سبيل المثال اقتراح القانون المقدّم من النائب ​ياسين جابر​ والرامي إلى تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص. أقرّ هذا القانون بمادة وحيدة. مع العلم أنّ رئيس المجلس أعلن أنّ رئيس الحكومة لديه ملاحظات حول الاقتراح، الأمر الذي يستدعي عدم إقراره بمادة وحيدة، إلا أنّ المعنيين تمكنوا بقليل من الجهد من إقناع الحريري بعدم الإدلاء بملاحظاته كي يُقرّ بمادة وحيدة. وفوراً استجاب الشيخ سعد الذي بدا وكأنه "حامل هموم الدني ع ظهره"...

بمعزل عن كلّ ذلك شكّل قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص تطوراً تشريعياً كبيراً يمكن أن يشكل إطاراً لحلحلة مشاكل مزمنة (الكهرباء، الاتصالات، ​البنى التحتية​..)

كذلك أُقرّ اقتراح القانون المقدّم من النائب إيلي كيروز الرامي إلى إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات، المتعلقة بوقف ملاحقة مرتكب إحدى جرائم الاعتداء على العرض في حال انعقاد زواج صحيح بينه وبين المعتدى عليها، نظراً إلى أنّ الاغتصاب يجب أن يكون له عقاب غير قابل للتسوية، وأنّ هنالك ضرورة لتعديل المواد المتعلقة بالجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة، مع الأخذ بعين الاعتبار العادات والتقاليد بالمجتمعات اللبنانية لا سيما الخطف بقصد الزواج، كما اعتبار سنّ الخامسة عشرة سنّاً مؤهّلة للزواج الصحيح.

كاد هذا الاقتراح قبل أن يصدّق، أن ينزلق إلى نقاش قيمي مبطّن بين النواب المسيحيين (كيروز، ألان عون، سامي الجميّل) والنواب المسلمين (عمار، ​عماد الحوت​، سمير الجسر)،ليعود النقاش ويستقرّ على اتفاق ​لجنة الإدارة والعدل​ الذي شكل مساحة مشتركة توفّق بين المقاربات المختلفة.

وأسوة بالقانونين سابقي الذكر، أقرّ اقتراح قانون المحسومات التقاعدية الخاصة بأساتذة ​الجامعة اللبنانية​ المقدّم من النائب علي فياض في العام 2014 والذي يعالج مشكلة مستعصيةتواجه أساتذة الجامعة اللبنانية الذين يدخلون إلى ملاكها. إذ إنّ قسماً كبيراً منهم نتيجة بقائه فترة طويلة في التفرّغ تجاوزت العشرين عاماً، تراكمت محسوماتهم التقاعدية إلى حدود 100 مليون ليرة، وهكذا سيتعذّر دفع هذه المبالغ دفعة واحدة واللجوء إلى تقسيطها، ما يفرغ التقاعد من مضمونه.

سبق أن أقرّ المجلس النيابي ما يشبه قانون المحسومات التقاعدية في العامين 1999 و2004. رغم ذلك انبرى الرئيس ​فؤاد السنيورة​ إلى رفضه، خالطاً بينه وبين تداعيات السلسلة، ومحذراً مجدّداً من مخاطر التساهل بأيّ تشريع له أثر مالي، بذريعة أنه لا يمكن للمجلس أن يشرّع في مجال قبل معرفة التداعيات المالية وتأثيرها على النمو الاقتصادي ووضع المنطقة.

عند طرح مشروع قانون استفادة حملة الشهادات الجامعية المعيّنين في ملاكات ​المدارس الخاصة​ للتعليم العام ما قبل الجامعي أو ملاك وزارة التربية والتعليم العالي المديرية العامة للتربية بصفة مدرّسين لمرحلتي الروضة والتعليم الأساسي من الحقوق الممنوحة لحملة الاجازات التعليمية، قال السنيورة: "لا يجوز الاستمرار في هذا الأسلوب، بل يجب ان يكون تعاملنا في مستوى التحدّي، وان تكون الأمور واضحة في الأمر المالي".

موقف السنيورة المتقاطع مع موقف الوزير ​مروان حمادة​ الذي أشار إلى أنّ "السلسلة وحّدت بين الأساتذة وتبقى قضية من سبق هذه السلسلة مما يخلق خللاً واسعاً بين من يحمل إجازة جامعية وإجازة تعليمية تصل الى 9 درجات"، ما دفع رئيس المجلس إلى إحالة الاقتراح إلى لجنة المال والموازنة.

لقد أقرّت الاقتراحات المتعلقة بإنشاء محافظة جديدة في قضاءي ​كسروان​ وجبيل، وحماية الحيوانات والرفق بها، وإبرام بروتوكول بين لبنان والمجموعة الأوروبية لإنشاء آلية لتسوية النزاعات حول الأحكام التجارية من اتفاقية الشراكة الأوروبية – المتوسطية، وإبرام اتفاقية بين لبنان والاتحاد الروسي حول نقل الأشخاص المحكومين.

هذا التصديق لم يطل اقتراح القانون الرامي إفادة المتعاقدين في الإدارات العامة وسائر المتعاقدين من الإدارات وفقاً للأصول وبدوام لا يقلّ عن الدوام الرسمي، من نظام التقاعد وتقديمات تعاونية موظفي الدولة.فأبقى رئيس المجلسالاقتراح قائماً لمدة شهر بانتظار إنهاء اللجنة الفرعية دراسة ضمان الشيخوخة وإمكانية شمول المتعاقدين به، وعندها سيعيد طرح الموضوع.

كلّ ذلك لم يُغيّب مشاورات السلسلة على هامش الجلسة. لقد عقد اجتماع بعد الجلسة ضمّ الرئيسين بري والحريري ووزير المال ​علي حسن خليل​، واجتماع قبل الجلسة ضمّ الرئيس بريوالنائبين ​ابراهيم كنعان​ و​جورج عدوان​. بات كلّ طرف "يغنّي على ليلاه". ​التيار الوطني الحر​ في صدد صياغة تعديلات عدّة ستصدر في اقتراحات قوانين معجّلة مكرّرة.

والتعديلات هي:

إنشاء صندوق التعاضد المستقلّ للقضاة.إلغاء الازدواج الضريبي للمهن الحرة.إلغاء الرسوم على المشروبات الروحية.إضافة مادة في بند المتعاقدين العسكريين تستثني المتطوّعين الشهداء والشهداء والمعوقين من التجزئة والتقسيط.إضافة الملاك الفني على الملاك الإداري في الجامعة اللبنانية.إعطاء مهلة سنتين للديبلوماسيين من تاريخ عودتهم الى لبنان بدلاً من سنة لتقاضي رواتبهم نفسها في الخارج.

أما رئيس الحكومة، فتنقل عنه بعض الأوساط، عدم ممانعته أن تعود لجنة السلسلة التي تمثل الأحزاب كافة إلى الاجتماع وبلورة التعديلات المختلفة. في حين يكتفي رئيس المجلس بالقول إنه ليس بوارد البحث بأيّ تعديل يذكر قبل توقيع الرئيس عون القانون ونشره في الجريدة الرسمية.

مع العلم، أنه بمعزل عما سيتقدّم به التيار الوطني الحر، فإنّ هناك اختلالات ذات صلة بالمادة التاسعة والمادة الثلاثين في ما يتصل بمعلمي التعليم الأساسي الابتدائي والمتوسط، تحتاج إلى تصحيح، كذلك الأمر في ما يتعلق بفصل التعليم الخاص عن التعليم الرسمي في السلسلة، فضلاً عن ضرورة تصويب النص المرتبط بالمؤسسات العامة.