– شكلت ​حركة أمل​ واحداً من مكوّنات سلطات ما بعد ​اتفاق الطائف​، وشكل رئيسها منذ دخوله تسوية جنيف التي أنتجت أول حكومة وحدة وطنية عام 1984 ركناً من أركان النظام الجديد الذي توّجه مع الطائف رئيساً ل​مجلس النواب​، وتماهت قيادات أمل مع هياكل الدولة ومؤسّساتها واحتلّ كوادرها ومؤيّدوها مسؤوليات نيابية ووزارية وإدارية، وتناولتها تحليلات وتوصيفات كثيرة، ليس موضوعها هنا، لأنّ الأهمّ هو الاستنتاج الذي كانت تصل إليه هذه التحليلات بالقول، لقد ماتت حركة المحرومين التي أسّسها الإمام المغيّب السيد ​موسى الصدر​، وصارت حركته حامية للنظام الذي قامت لدكّ حصونه، وصار حيتان المال الذين عرفوا باسم فئة الـ 4 أيام الإمام الصدر بحماية حركته وصيانتها، وقد تبرجزوا وتبرجزت الحركة، والقول الفصل دائماً يصوّب على رئيس الحركة ورئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ الذي يدير دفتها ولا ينازعه في قيادتها وعلى قيادتها أحد.

– المعيار الحاسم لتوصيف مكانة أيّ تشكيل سياسي في قلب نظام الطبقات الاجتماعية، ليس استنسابياً ولا مزاجياً، ولا هو مجموعة سلوكيات قابلة للتأويل لأفراد ينتمون لهذا التشكيل السياسي. وفي ​لبنان​ كانت القضية منذ انطلاق مسيرة الإمام الصدر وتأسيسه لحركة المحرومين، ولا تزال لليوم، هي قضية الـ4 التي تحتكر ثلاثة أرباع عائدات ​الاقتصاد اللبناني​ وتحول دون توزيع عادل للنمو الذي بلغ في سنوات قرابة الـ 10 بينما كان فقراء لبنان يزدادون فقراً، والسؤال الدائم كان يطال النظام ​الضرائب​ي الذي وحده يحقق التوزيع العادل نسبياً للنمو بتوزيع عادل نسبياً لأكلاف تمويل الإنفاق العام، وكانت الحكومات التي شاركت فيها حركة أمل والتشريعات التي صدرت عن مجلس النواب، الذي تتمثل فيه برئيسها رئيساً له وبكتلة نيابية وازنة وفاعلة، للموازنات المتتابعة والقوانين الملحقة للإنفاق وتأمين الواردات، تقوم على مبدأ تفادي الاقتراب من فئة الـ 4 التي يمثل كتلتها المنظمة أصحاب المصارف الكبرى، وكان لهذا المعيار أن يحكم وحده، باعتباره المؤشر الأهمّ على الهوية الاجتماعية للسياسة المالية العامة وتوازنها بين الطبقات.

– كشفت المبادرات والمناقشات والصراعات التي رافقت ولادة ​الموازنة​ و​سلسلة الرتب والرواتب​، دوراً محورياً لرئيس المجلس النيابي ووزير المالية الحامل لتوجيهاته، لفرض معادلة إنفاق فيها كفة راجحة لإنصاف محدودي الدخل، ومعادلة جباية فيها كفّة راجحة لفرض ضرائب منصفة على أصحاب المصارف والشركات المالية، وخاض رئيس المجلس ومن ورائه وزير المالية مواجهات ضارية ونتجت تحالفات وخصومات، وبقي القرار لدى رئيس المجلس حاسماً وعنوانه المضمون الاجتماعي للسلسلة والموازنة يعادل في أهميته قانوناً انتخابياً يعتمد النسبية، واحد للإصلاح السياسي وآخر للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، ولمن يذكر مسيرة الإمام الصدر أن يذكر أنّ هذين كانا عنوان مشواره الذي ولدت منه حركة المحرومين، التي كانت عابرة للطوائف، بين مؤسّسيها قامات وطنية من الطوائف كلها ووثيقتها التأسيسية وطنية اجتماعية.

– الرئيس نبيه بري الذي كان مبادراً ومؤسّساً لخيار المقاومة مع بدايات الاجتياح «الإسرائيلي»، وشكل عنوان هذا الخيار في الثمانينيات وعندما تصدّر ​حزب الله​ ساحة المقاومة منحها كلّ ما يلزم من مؤازرة وفاوض عنها في الحروب من دون أن تستدرجه المنافسة المحلية واللعبة الفئوية والحزبية لتجاهل الثوابت والأهداف لحساب أولوية موهومة للتشكيلات والأطر والهياكل. ومعلوم حجم مكانة المقاومة كخيار في مشروع الإمام الصدر، وحجم ما لقيه وما يلقاه من أولوية في حركة الرئيس بري، وكان كلّ النقاش والجدل يطال الهوية العميقة لموقعه وموقع حركة أمل معه من المكانة الاجتماعية التي رسمها مشروع الإمام الصدر، ومعركة السلسلة والضرائب لا يفسّرها الحديث عن الحسابات الانتخابية، لأنّ هذا يسري على الجميع بالتوازي والتساوي، فلماذا اختار البعض خط الدفاع عن المصارف والتنكّر لحقوق الفئات الشعبية واختار بري العكس إنْ لم تكن الهوية الاجتماعية للخيار السياسي هي الحاسمة؟