في حين كان كثيرون يتوقّعون أن تبدأ "شرارة" المعارك الانتخابية من طرابلس أو ​كسروان​، حيث الحماوة على أشدّها، ربطاً بـ"البروفا" التي ينتظر أن يجسّدها استحقاق ​الانتخابات الفرعية​ المرتقبة فيها، كان لافتًا دخول عروس ​البقاع​ زحلة خلال الأيام الماضية "البازار الانتخابي" من الباب العريض.

فعلى مدى أيام، تحوّلت زحلة إلى "قِبلة الأنظار"، هي التي استقبلت في أيامٍ قليلة كلاً من رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير ​جبران باسيل​ ورئيس حزب "​القوات اللبنانية​" ​سمير جعجع​، اللذين أقاما فيها ما يشبه "المهرجانات الانتخابية"، وإن بدت مبكرة لأوانها، تمامًا كالتحالفات، التي يُقال أنّها بدأت تُطبَخ، ولكن على نارٍ لا تزال هادئة حتى إشعارٍ آخر...

تنافس "أهلية بمحلية"؟

بدايةً، لا شكّ أنّ ل​مدينة زحلة​ رمزيتها وخصوصيّتها الانتخابية التي لا يبالغ المرء في القول أنّها تكاد تفوق في الأهمية رمزيّة وخصوصيّة أي دائرةٍ أخرى، سواء بموجب ​قانون الانتخاب​ القديم أو الجديد، وهو ما ثبُت أصلاً خلال الانتخابات النيابية الأخيرة التي شهدها لبنان في العام 2009، والتي قيل أنّ زحلة بالتحديد قلبت نتائجها رأسًا على عقب، بعدما شكّلت نتائجها "مفاجأة مدوية" بصورةٍ عامةٍ، ونقلت الأكثرية النيابية من كتفٍ إلى كتفٍ.

ولا يبدو أنّ قانون الانتخاب الجديد قد غيّر من هذه المعادلة، بدليل "التهافت" الحاصل هذه الأيام على المدينة، بخلاف غيرها من المدن والقرى اللبنانية، التي لا يمكن القول أنّ "الحماوة الانتخابية" قد بدأت في أيّ منها حتى تاريخه. وفي هذا السياق، تندرج بطبيعة الحال الزيارتان "المنفصلتان" اللتان قام بهما كلّ من رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع إلى المدينة، ولو حاول قياديو "التيار" و"القوات" الإيحاء بحساباتٍ سياسيّة لهذه الزيارات تتخطّى أبعادها "الانتخابية".

ولعلّ حصول الزيارتين في هذه المسافة الزمنية القصيرة نسبيًا يشكّل بحدّ ذاته مؤشّراً على حجم التنافس المسيحي المسيحي على "الزعامة" في المدينة، تنافسٌ لا يبدو أنّ ما سُمّيت بـ"المصالحة ​المسيحية​" استطاعت وضع حدٍ له. فمن ناحية، تشعر "القوات" بفائض قوة في مدينة زحلة يعطيها "الأفضلية" و"الصدارة"، وهي تستند في ذلك إلى ما حقّقته في الاستحقاقات الأخيرة، سواء في ​الانتخابات البلدية​ في العام الماضي جنبًا إلى جنب "التيار"، ولكن أيضاً في انتخابات 2009 التي خاضتها في مواجهة "التيّار". ومن ناحيةٍ ثانية، فإنّ "العونيّين" يسعون إلى استقطاب الصوت المسيحي في هذه الدائرة لصالحهم، لإدراكهم لرمزيّتها ومكانتها، خصوصًا لجهة كونها أكبر المدن المسيحية في لبنان والبقاع، وهم يعتبرون أنّ وزير الخارجيّة جبران باسيل، بالزيارة الأخيرة التي قام بها، لم يطلق فقط صافرة البداية للموسم الانتخابي من الناحية العملية، بل أعلن "الاستنفار الانتخابي" بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى.

وإذا كان تنافس "التيار" و"القوات" يمكن وصفه بأنّه "أهلية بمحلية"، نظرًا للتفاهم المبرَم بين الجانبين، فإنّ حزب "الكتائب" ليس غائبًا هو الآخر عن مدينة زحلة، حيث لطالما شكّل النائب ​إيلي ماروني​ "واجهة" بالنسبة له، وإن كان الحزب يكتفي في المرحلة الراهنة بـ"المراقبة" بانتظار نضوج الأمور والمعطيات، علمًا أنّه يعتبر أنّ حركة "التيار" و"القوات" تفتقد إلى "البركة" حتى الساعة. وفي المقابل، هناك قوى وازنة لها ثقلها في زحلة تبدو "مستنفرة" أيضًا بانتظار الاستحقاق المقبل، وتتصدّرها "​الكتلة الشعبية​" التي تحاول رئيستها ​ميريام سكاف​ استعادة "أمجادها"، وهي التي تتصدّى لكلّ من تسمّيهم بـ"عابري السبيل" الذين يسعون لاستغلال زحلة وتوظيفها لصالح أجنداتهم السياسية، من دون أن ننسى النائب ​نقولا فتوش​ الذي يتمتّع هو الآخر بحيثية "زحلاوية" لا يُستهان بها.

تحالفات غير واضحة

لكن، إذا كان التنافس الحاد على "الزعامة" في زحلة قد بدأ منذ الآن، فإنّ التحالفات الانتخابية لا تبدو ناضجة لغاية تاريخه، بل إنّ "الاستنفار" الحاصل، سواء المعلن أو غير المعلن منه، يندرج في خانة تحضير الأرضية لنسج هذه التحالفات وطبخها، وهي عمليّة لا تبدو سهلةً أو يسيرة على الإطلاق، بل على العكس من ذلك، معقّدة ومتشابكة، تمامًا كالتركيبة الطائفية الزحلاوية، التي تخلط حابل تحالفاتها بنابلها.

وبانتظار نضوج التحالفات وصورتها، يبدو شيءٌ واحدٌ ثابتًا حتى إشعارٍ آخر، وهو أنّ "الانفصال الانتخابي" بين التيار والقوات في هذه الدائرة بصورةٍ خاصةٍ بات شبه محسوم،وقد مهد له جعجع بوضوح حين أعلن من زحلة بالتحديد أنّه "في النظام الانتخابي الجديد لا لزوم للتحالفات، فالتيار والقوات متفاهمان، ولكن بحسب النظام الانتخابي قد تكون مصلحتهما أن يكون كل واحد منهما في لائحة".

وقد يكون هذا "الانفصال" مرتبطاً، إلى جانب تعقيدات "الصوت التفضيلي" و"النسبية"، ولو أتت مشوّهة، بشكلٍ أساسيّ بالصوت "المسلم" الحاضر في هذه الدائرة، بشقّيه السنّي والشيعي. وانطلاقاً من المعادلة التي كرّسها "​حزب الله​" برفضه التصويت لأيّ لائحة تضمّ أسماء مرشحين "قواتيين"، ونظراً لطبيعة النظام النسبي الذي يفرض على الناخبين التصويت للوائح وفق منطق "زي ما هي" ويحرمهم من فرصة "تركيب" لوائحهم على هواهم، يصبح من الطبيعي أنّ خوض "التيار" للمعركة جنبًا إلى جنب "القوات" سيحرمه من أصوات "الحزب"، بخلاف ما حصل في الانتخابات البلدية، التي جرت وفق النظام الأكثري.

وإذا كان لافتاً أنّ السيدة ميريام سكاف تعاملت مع كلّ من زيارة باسيل وجعجع بوصفهما "خصمَين"، فإنّ المُلاحَظ أنّهما في المقابل أبقيا الأبواب مفتوحة على إمكانية التحالف مع رئيسة "الكتلة الشعبية"، التي أثبتت نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة، والتي خاضتها بصورة "فردية" في وجه "الأحزاب"، أنّها تشكّل "رقمًا صعبًا" في المدينة لا يمكن الاستخفاف به، علمًا أنّ مختلف المعطيات تؤشّر لتحالفٍ متوقّع بين الأخيرة و"​تيار المستقبل​"، الذي لا تزال تحالفاته الأخرى متأرجحة، خصوصًا في حال افتراق "التيار" و"القوات"، اللذين سعى "المستقبل" للانفتاح عليهما بشتّى الوسائل الممكنة، لاعتقاده أنّ الانضواء في تفاهمهما قد يشكّل له "سفينة النجاة" في الانتخابات النيابية بشكلٍ أو بآخر.

"الحماوة" بدأت!

لا تزال الصورة الانتخابية في زحلة غامضة ومبهمة، ويُرجَّح أن تبقى كذلك خلال الأشهر القليلة المقبلة، وإن حرص البعض على إدارة "محرّكات" عروس البقاع الانتخابيّة قبل أوانها.

ففي زحلة، سباقٌ على الزعامة، وسباقٌ موازٍ على الأصوات غير المسيحيّة، وسباقٌ ثالثٌ على نسج أفضل التحالفات، وهي سباقاتٌ لن تترجم على شكل لوائح متعدّدة ومتنوّعة فحسب، بل ستفرض بالضرورة "عدّة شغل" تجعل المعركة "الزحلاوية" فريدة ومختلفة عن كلّ ما عداها من معارك على امتداد الوطن.

أما المحصّلة فواضحة: "الحماوة" في زحلة بدأت من الآن، وستتصاعد تدريجًا حتى موعد الانتخابات، التي، إن كانت "مفصليّة" للوطن ككلّ، فلا شكّ أنّ لزحلة كلمة "الفصل" فيها!