على هامش التضحيات التي يقوم الجيش ال​لبنان​ي، من ضباط ورتباء وأفراد، في معركة تحرير الجرود في سلسلة جبال لبنان الشرقية، يبرز الدور الكبير الذي يقوم به القائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس ​ميشال عون​، مقدماً نموذجاً عن الرئيس القوي الذي كانت تحتاج إليه البلاد في مواجهة الأخطار التي تتعرض لها، لا سيما الاعتداءات الإسرائيلية والتهديدات الإرهابية التي لم تتوقف منذ بداية ​الأزمة السورية​ في العام 2011.

منذ انطلاق العملية العسكرية، التي تحمل اسم "​فجر الجرود​"، في فجر يوم السبت الماضي، كان رئيس الجمهورية حاضراً لمواكبتها من غرفة العمليات العسكرية في وزارة الدفاع، إلى جانب وزير الدفاع الوطني ​يعقوب الصراف​ وقائد الجيش ​العماد جوزيف عون​، مقدماً الغطاء السياسي الذي تحتاج إليه ​المؤسسة العسكرية​ في هذه المعركة، من أعلى رأس الهرم في ​الدولة اللبنانية​، الأمر الذي كانت تفتقده في السابق، بالرغم من صدور أكثر من قرار، لم ينفذ، عن مجلس الوزراء في السنوات الماضية، ومقدماً أيضاً المعنويات التي يحتاجها من يخوضون المواجهات على أرض الواقع، مع أشهر تنظيم إرهابي على مستوى العالم، عبر اتصاله بالضباط المشرفين على المعركة، حيث أبلغهم برهان كل اللبنانيين عليهم لتحقيق النصر.

بعد ذلك كان الرئيس عون حاضراً في مواكبة تفاصيل العملية العسكرية بكل لحظة، ومن ثم زيارة جرحى الجيش في المستشفيات، وهو على أهبة الاستعداد للقيام بما يلزم حتى انتهاء المعركة بتحرير كامل الجرود اللبنانية من ​الجماعات الإرهابية​، لكن حتى الآن ما يقدمه رئيس الجمهورية على المستوى السياسي نموذجاً يحتذى به في كيفية التعاطي مع مثل هكذا تحديات، وهو لا يقل أهمية عمّا يقوم به رجال المؤسسة العسكرية في الميدان، والدليل أن الجيش كان قادراً على القيام بهذه المهمة منذ ​معركة عرسال​ الأولى، عندما دخلت المجموعات الإرهابية إلى قلب هذه البلدة اللبنانية، وأقدمت على خطف مجموعة من عناصر المؤسسة العسكرية و​قوى الأمن الداخلي​، لكن ما كان يمنعه هو عدم وجود الغطاء السياسي اللازم، الذي يؤمنه اليوم الرئيس عون، وهو ما ظهر منذ لحظة انتخابه رئيساً عبر إعلانه في خطاب القسم أن لبنان سيتعامل مع الإرهاب استباقياً وردعياً وتصدياً حتى القضاء عليه.

انطلاقاً من ذلك، ينفذ رئيس الجمهورية ما أقسم عليه، وهو ما كان يحتاج له لبنان منذ سنوات طويلة، أي رئيساً ينفذ ما يعد فيه بخطاب القسم، ويكون قادراً على اتخاذ القرارات الصعبة في اللحظات الحرجة بعيداً عن الاعتبارات السياسية، الداخلية والخارجية منها، أو أي اعتبارات أخرى لا تصب في خانة المصلحة الوطنية، لدرجة دفعت بالكثيرين إلى طرح علامات استفهام حول الواقع الحالي، فيما لو لم يكن ميشال عون رئيساً، والدعوة إلى محاسبة من كان يمنع المؤسسات العسكرية والأمنية من القيام بالمهمة قبل ذلك.

اليوم، يستحق رئيس الجمهورية التحية والتقدير، على الدور الذي يقوم به في هذه المرحلة، الأمر الذي يخفف من وطأة ​الفراغ الرئاسي​ الذي عاشته البلاد على مدى أشهر طويلة ويبرره طالما أوصلنا إلى رئيس على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقه، ويبقى الرهان عليه لإتمام ما تبقى من خطاب القسم على مستوى الإصلاحات التي وعد بها في مختلف المجالات.